اسْتَقَرَّ بَيْنَهُمْ، وَبِهَذِهِ الْوَقْعَةِ تَمَّ لِلْعَرَبِ مُلْكُ الْبِلَادِ، فَإِنَّهُمْ قَدِمُوهَا فِي ضِيقٍ وَفَقْرٍ وَقِلَّةِ دَوَابَّ فَاسْتَغْنَوْا، وَكَثُرَتْ دَوَابُّهُمْ وَسِلَاحُهُمْ، وَقَلَّ الْمُحَامِي عَنِ الْبِلَادِ، وَأَرْسَلُوا الْأَلْوِيَةَ وَالطُّبُولَ وَخَيَّمَ النَّاصِرُ بِدَوَابِّهَا إِلَى تَمِيمٍ، فَرَدَّهَا وَقَالَ: يَقْبُحُ بِي أَنْ آخُذَ سَلَبَ ابْنَ عَمِّي! فَأَرْضَى الْعَرَبَ بِذَلِكَ.
ذِكْرُ بِنَاءِ مَدِينَةِ بِجَايَةَ.
لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ بَيْنَ بَنِي حَمَّادٍ وَالْعَرَبِ، (وَقَوِيَتِ الْعَرَبُ) ، اهْتَمَّ تَمِيمُ بْنُ الْمُعِزِّ لِذَلِكَ، وَأَصَابَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّاصِرَ، وَكَانَ لَهُ وَزِيرٌ اسْمُهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْفُتُوحِ، وَكَانَ رَجُلًا جَيِّدًا يُحِبُّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَهُمْ، وَيَهْوَى دَوْلَةَ تَمِيمٍ، فَقَالَ لِلنَّاصِرِ: أَلَمْ أُشِرْ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَقْصِدَ ابْنَ عَمِّكَ، وَأَنْ تَتَّفِقَا عَلَى الْعَرَبِ، فَإِنَّكُمَا لَوِ اتَّفَقْتُمَا لَأَخْرَجْتُمَا الْعَرَبَ.
فَقَالَ النَّاصِرُ: لَقَدْ صَدَقْتَ، وَلَكِنْ لَا مَرَدَّ لِمَا قُدِّرَ، فَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، فَأَرْسَلَ الْوَزِيرُ رَسُولًا مِنْ عِنْدِهِ إِلَى تَمِيمٍ يَعْتَذِرُ، وَيَرْغَبُ فِي الْإِصْلَاحِ، فَقَبِلَ تَمِيمٌ قَوْلَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يُرْسَلَ رَسُولًا إِلَى النَّاصِرِ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْبَعْبَعِ. وَقَالُوا لَهُ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ، وَحَصَلَ لَهُ مِنْكَ الْأَمْوَالُ وَالْأَمْلَاكُ، فَأَحْضَرَهُ، وَأَعْطَاهُ مَالًا وَدَوَابَّ وَعَبِيدًا وَأَرْسَلَهُ، فَسَارَ مَعَ الرَّسُولِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى بِجَايَةَ، وَكَانَتْ حِينَئِذٍ مَنْزِلًا فِيهِ رَعِيَّةٌ مِنَ الْبَرْبَرِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْبَعْبَعِ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: إِنَّ هَذَا الْمَكَانَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بِهِ مَرْسَى وَمَدِينَةٌ، وَسَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى النَّاصِرِ، فَلَمَّا أَوْصَلَ الْكِتَابَ وَأَدَّى الرِّسَالَةَ قَالَ لِلنَّاصِرِ: مَعِي وَصِيَّةٌ إِلَيْكَ، وَأُحِبُّ أَنْ تُخَلِّيَ الْمَجْلِسَ، فَقَالَ النَّاصِرُ: أَنَا لَا أُخْفِي عَنْ وَزِيرِي شَيْئًا، فَقَالَ: بِهَذَا أَمَرَنِي الْأَمِيرُ تَمِيمٌ، فَقَامَ الْوَزِيرُ أَبُو بَكْرٍ وَانْصَرَفَ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ الرَّسُولُ: يَا مَوْلَايَ إِنَّ الْوَزِيرَ مُخَامِرٌ عَلَيْكَ، هَوَاهُ مَعَ الْأَمِيرِ تَمِيمٍ، لَا يُخْفِي عَنْهُ مِنْ أُمُورِكَ شَيْئًا، وَتَمِيمٌ مَشْغُولٌ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute