عَبِيدِهِ قَدِ اسْتَبَدَّ بِهِمْ، وَاطَّرَحَ صِنْهَاجَةَ وَغَيْرَ هَؤُلَاءِ، وَلَوْ وَصَلْتَ بِعَسْكَرِكَ مَا بِتَّ إِلَّا فِيهَا لِبُغْضِ الْجُنْدِ وَالرَّعِيَّةِ لِتَمِيمٍ، وَأَنَا أُشِيرُ عَلَيْكَ بِمَا تَمْلِكُ بِهِ الْمَهْدِيَّةَ وَغَيْرَهَا. وَذَكَرَ لَهُ عِمَارَةَ بِجَايَةَ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارَ مُلْكٍ، وَيَقْرُبَ مِنْ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَقَالَ لَهُ: أَنَا أَنْتَقِلُ إِلَيْكَ بِأَهْلِي، وَأُدَبِّرُ دَوْلَتَكَ، فَأَجَابَهُ النَّاصِرُ إِلَى ذَلِكَ، وَارْتَابَ بِوَزِيرِهِ، وَسَارَ مَعَ الرَّسُولِ إِلَى بِجَايَةَ، وَتَرَكَ الْوَزِيرَ بِالْقَلْعَةِ.
فَلَمَّا وَصَلَ النَّاصِرُ وَالرَّسُولُ إِلَى بِجَايَةَ أَرَاهُ مَوْضِعَ الْمِينَاءِ وَالْبَلَدِ وَالدَّارِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ النَّاصِرُ مِنْ سَاعَتِهِ بِالْبِنَاءِ وَالْعَمَلِ، وَسُرَّ بِذَلِكَ، وَشَكَرَهُ، وَعَاهَدَهُ عَلَى وِزَارَتِهِ إِذَا عَادَ إِلَيْهِ، وَرَجَعَا إِلَى الْقَلْعَةِ فَقَالَ النَّاصِرُ لِوَزِيرِهِ: إِنَّ هَذَا الرَّسُولَ مُحِبٌّ لَنَا، وَقَدْ أَشَارَ بِبِنَاءِ بِجَايَةَ، وَيُرِيدُ الِانْتِقَالَ إِلَيْنَا، فَاكْتُبْ لَهُ جَوَابَ كُتُبِهِ، فَفَعَلَ.
وَسَارَ الرَّسُولُ، وَقَدِ ارْتَابَ بِهِ تَمِيمٌ، حَيْثُ تَجَدَّدَ بِنَاءُ بِجَايَةَ عُقَيْبَ مَسِيرِهِ إِلَيْهِمْ، وَحُضُورِهِ مَعَ النَّاصِرِ فِيهَا، وَكَانَ الرَّسُولُ قَدْ طَلَبَ مِنَ النَّاصِرِ أَنْ يُرْسِلَ مَعَ بَعْضِ ثِقَاتِهِ لِيُشَاهِدَ الْأَخْبَارَ وَيَعُودَ بِهَا، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَسُولًا يَثِقُ بِهِ، فَكَتَبَ مَعَهُ: إِنَّنِي لَمَّا اجْتَمَعْتُ بِتَمِيمٍ لَمْ يَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ سُؤَالِهِ عَنْ بِنَاءِ بِجَايَةَ، وَقَدْ عَظُمَ أَمْرُهَا عَلَيْهِ، وَاتَّهَمَنِي، فَانْظُرْ إِلَى مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنَ الْعَرَبِ تُرْسِلُهُمْ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَإِنِّي سَائِرٌ إِلَيْهِمْ مُسْرِعًا، وَقَدْ أَخَذْتُ عُهُودَ زُوَيْلَةَ وَغَيْرِهَا عَلَى طَاعَتِكَ. وَسَيَّرَ الْكِتَابَ، فَلَمَّا رَآهُ النَّاصِرُ سَلَّمَهُ إِلَى الْوَزِيرِ، فَاسْتَحْسَنَ الْوَزِيرُ ذَلِكَ، وَشَكَرَهُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَقَدْ نَصَحَ وَبَالَغَ فِي الْخِدْمَةِ، فَلَا تُؤَخِّرْ عَنْهُ إِنْفَاذَ الْعَرَبِ لِيَحْضُرَ مَعَهُمْ.
وَمَضَى الْوَزِيرُ إِلَى دَارِهِ، وَكَتَبَ نُسْخَةً مِنَ الْكِتَابِ، وَأَرْسَلَ الْكِتَابَ الَّذِي بِخَطِّ الرَّسُولِ إِلَى تَمِيمٍ، وَكِتَابًا مِنْهُ يَذْكُرُ الْحَالَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ. فَلَمَّا وَقَفَ تَمِيمٌ عَلَى الْكِتَابِ عَجِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَ يَتَوَقَّعُ لَهُ سَبَبًا يَأْخُذُهُ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ عَلَيْهِ مَنْ يَحْرُسُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute