تَحْمِلُ الْعَيْنُ قَذَى الْعَيْنِ كَمَا ... تَحْمِلُ الْأُمُّ أَذَى مَا تَفْتَلِي
يَا قَتِيلًا قَوَّضَ الدَّهْرُ بِهِ ... سَقْفَ بَيْتَيَّ جَمِيعًا مِنْ عَلِ
هَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي اسْتَحْدَثْتُهُ ... وَانْثَنَى فِي هَدْمِ بَيْتِي الْأَوَّلِ
وَرَمَانِي قَتْلُهُ مِنْ كَثَبٍ ... رَمْيَةَ الْمُصْمِي بِهِ الْمُسْتَأْصِلِ
يَا نِسَائِي دُونَكُنَّ الْيَوْمَ قَدْ ... خَصَّنِي الدَّهْرُ بِرُزْءٍ مُعْضِلِ
خَصَّنِي قَتْلُ كُلَيْبٍ بِلَظًى ... مِنْ وَرَائِي وَلَظًى مُسْتَقْبِلِ
لَيْسَ مَنْ يَبْكِي لِيَوْمَيْهِ ... كَمَنْ إِنَّمَا يَبْكِي لِيَوْمٍ مُقْبِلِ
يَشْتَفِي الْمُدْرِكُ بِالثَّأْرِ وَفِي ... دَرْكِيَ ثَأْرِيَ ثُكْلُ الْمُثْكِلِ
لَيْتَهُ كَانَ دَمًا فَاحْتَلَبُوا ... دِرَرًا مِنْهُ دَمِي مِنْ أَكْحَلِي
إِنَّنِي قَاتِلَةٌ مَقْتُولَةٌ ... وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْتَاحَ لِي
وَأَمَّا مُهَلْهِلٌ، وَاسْمُهُ عَدِيٌّ، وَقِيلَ: امْرُؤُ الْقَيْسِ، وَهُوَ خَالُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ وَإِنَّمَا لُقِّبَ مُهَلْهِلًا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ هَلْهَلَ الشِّعْرَ وَقَصَّدَ الْقَصَائِدَ، وَأَوَّلُ مَنْ كَذَبَ فِي شِعْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا صَحَا لَمْ يَرُعْهُ إِلَّا النِّسَاءُ يَصْرُخْنَ: أَلَا إِنَّ كُلَيْبًا قُتِلَ، فَقَالَ، وَهُوَ أَوَّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ:
كُنَّا نَغَارُ عَلَى الْعَوَاتِقِ أَنْ تُرَى ... بِالْأَمْسِ خَارِجَةً عَنِ الْأَوْطَانِ
فَخَرَجْنَ حَيْثُ ثَوَى كُلَيْبٌ حُسَّرًا ... مُسْتَيْقِنَاتٍ بَعْدَهُ بِهَوَانِ
فَتَرَى الْكَوَاعِبَ كَالظِّبَاءِ عَوَاطِلًا ... إِذْ حَانَ مَصْرَعُهُ مِنَ الْأَكْفَانِ
يَخْمِشْنَ مِنْ أَدَمِ الْوُجُوهِ حَوَاسِرًا ... مِنْ بَعْدِهِ وَيَعِدْنَ بِالْأَزْمَانِ
مُتَسَلِّبَاتٍ نَكْدَهُنَّ وَقَدْ رَوَى ... أَجْوَافَهُنَّ بِحُرْقَةٍ وَوَرَانِي
وَيَقُلْنَ مَنْ لِلْمُسْتَضِيفِ إِذَا دَعَا ... أَمْ مَنْ لَخَضْبِ عَوَالِيَ الْمُرَّانِ
أَمْ لِاتِّسَارٍ بِالْجَزُورِ إِذَا غَدَا ... رِيحٌ يُقَطِّعُ مَعْقِدَ الْأَشْطَانِ