أَمَّنْ لِإِسْبَاقِ الدِّيَاتِ وَجَمْعِهَا ... وَلِفَادِحَاتِ نَوَائِبِ الْحَدَثَانِ
كَانَ الذَّخِيرَةَ لِلزَّمَانِ فَقَدْ أَتَى ... فُقْدَانُهُ وَأَخَلَّ رُكْنَ مَكَانِي
يَا لَهْفَ نَفْسِي مِنْ زَمَانٍ فَاجِعٍ ... أَلْقَى عَلَيَّ بِكَلْكَلٍ وَجِرَانِ
بِمُصِيبَةٍ لَا تُسْتَقَالُ جَلِيلَةٍ ... غَلَبَتْ عَزَاءَ الْقَوْمِ وَالنِّسْوَانِ
هَدَّتْ حُصُونًا كُنَّ قَبْلُ مَلَاوِذًا ... لِذَوِي الْكُهُولِ مَعًا وَلِلشُّبَّانِ
أَضْحَتْ وَأَضْحَى سُورُهَا مِنْ بَعْدِهِ ... مُتَهَدِّمَ الْأَرْكَانِ وَالْبُنْيَانِ
فَابْكِينَ سَيِّدَ قَوْمِهِ وَانْدُبْنَهُ ... شُدَّتْ عَلَيْهِ قَبَاطِيَ الْأَكْفَانِ
وَابْكِينَ لِلْأَيْتَامِ لَمَّا أَقْحَطُوا ... وَابْكِينَ عِنْدَ تَخَاذُلِ الْجِيرَانِ
وَابْكِينَ مَصْرَعَ جِيدِهِ مُتَزَمِّلًا ... بِدِمَائِهِ فَلَذَاكَ مَا أَبْكَانِي
فَلْأَتْرُكَنَّ بِهِ قَبَائِلَ تَغْلِبٍ ... قَتْلَى بِكُلِّ قَرَارَةٍ وَمَكَانِ
قَتْلَى تُعَاوِرُهَا النُّسُورُ أَكُفَّهَا ... يَنْهَشْنَهَا وَحَوَاجِلُ الْغِرْبَانِ
ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ كُلَيْبٌ فَرَأَى دَمَهُ، وَأَتَى قَبْرَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ تَحْتَ التُّرَابِ حَزْمًا وَعَزْمًا ... وَخَصِيمًا أَلَدَّ ذَا مِعْلَاقِ
حَيَّةً فِي الْوِجَارِ أَرْبُدَ لَا يَنْ ... فَعُ مِنْهُ السَّلِيمَ نَفْثُ الرَّاقِي
ثُمَّ جَزَّ شَعْرَهُ، وَقَصَّرَ ثَوْبَهُ، وَهَجَرَ النِّسَاءَ، وَتَرَكَ الْغَزَلَ، وَحَرَّمَ الْقِمَارَ وَالشَّرَابَ، وَجَمَعَ إِلَيْهِ قَوْمَهُ وَأَرْسَلَ رِجَالًا مِنْهُمْ إِلَى بَنِي شَيْبَانَ، فَأَتَوْا مُرَّةَ بْنَ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ وَهُوَ فِي نَادِي قَوْمِهِ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّكُمْ أَتَيْتُمْ عَظِيمًا بِقَتْلِكُمْ كُلَيْبًا بِنَاقَةٍ وَقَطَّعْتُمُ الرَّحِمَ، وَانْتَهَكْتُمُ الْحُرْمَةَ، وَإِنَّا نَعْرِضُ عَلَيْكَ خِلَالًا أَرْبَعًا، لَكُمْ فِيهَا مَخْرَجٌ، وَلَنَا فِيهَا مَقْنَعٌ: إِمَّا أَنْ تُحْيِيَ لَنَا كُلَيْبًا، أَوْ تَدْفَعَ إِلَيْنَا قَاتِلَهُ جَسَّاسًا فَنَقْتُلَهُ بِهِ، أَوْ هَمَّامًا فَإِنَّهُ كُفُؤٌ لَهُ، أَوْ تُمَكِّنُنَا مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ فِيكَ وَفَاءً لِدَمِهِ.