للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ السُّلْطَانِ أَلْب أَرْسَلَانَ عَلَى حَلَبَ.

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ السُّلْطَانُ أَلْب أَرْسَلَانَ إِلَى حَلَبَ، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى دِيَارِ بَكْرٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُهَا، نَصْرُ بْنُ مَرْوَانَ، وَخَدَمُهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ إِقَامَةً عَرَفَ السُّلْطَانُ أَنَّهُ قَسَّطَهَا عَلَى الْبِلَادِ، فَأَمَرَ بِرَدِّهَا.

وَوَصَلَ إِلَى آمِدَ فَرَآهَا ثَغْرًا مَنِيعًا، فَتَبَرَّكَ بِهِ، وَجَعَلَ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى السُّورِ وَيَمْسَحُ بِهَا صَدْرَهُ.

وَسَارَ إِلَى الرُّهَا فَحَصَرَهَا فَلَمْ يَظْفَرْ مِنْهَا بِطَائِلٍ، فَسَارَ إِلَى حَلَبَ وَقَدْ وَصَلَهَا نَقِيبُ النُّقَبَاءِ أَبُو الْفَوَارِسِ طِرَادٌ بِالرِّسَالَةِ الْقَائِمِيَّةِ، وَالْخِلَعِ، فَقَالَ لَهُ مَحْمُودٌ، صَاحِبُ حَلَبَ: أَسْأَلُكَ الْخُرُوجَ إِلَى السُّلْطَانِ، وَالِاسْتِعْفَاءَ لِي مِنَ الْحُضُورِ عِنْدَهُ، فَخَرَجَ نَقِيبُ النُّقَبَاءِ، وَأَخْبَرَ السُّلْطَانَ بِأَنَّهُ قَدْ لَبِسَ الْخِلَعَ الْقَائِمِيَّةِ وَخَطَبَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تُسَاوِي خُطْبَتُهُمْ وَهُمْ يُؤَذِّنُونَ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ؟ وَلَا بُدَّ مِنَ الْحُضُورِ، وَدَوْسِ بِسَاطِي، فَامْتَنَعَ مَحْمُودٌ مِنْ ذَلِكَ.

فَاشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَى الْبَلَدِ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَعَظُمَ الْقِتَالُ، وَزَحَفَ السُّلْطَانُ يَوْمًا وَقَرُبَ مِنَ الْبَلَدِ، فَوَقَعَ حَجَرُ مِنْجَنِيقٍ فِي فَرَسِهِ، فَلَمَّا عَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى مَحْمُودٍ خَرَجَ لَيْلًا، وَمَعَهُ وَالِدَتُهُ مَنِيعَةُ بِنْتُ وَثَّابٍ النُّمَيْرِيِّ، فَدَخَلَا عَلَى السُّلْطَانِ وَقَالَتْ لَهُ: فَافْعَلْ بِهِ مَا تُحِبُّ. فَتَلَقَّاهَا بِالْجَمِيلِ، وَخَلَعَ عَلَى مَحْمُودٍ وَأَعَادَهُ إِلَى بَلَدِهِ، فَأَنْفَذَ إِلَى السُّلْطَانِ مَالًا جَزِيلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>