ذِكْرُ خُرُوجِ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى خِلَاطٍ وَأَسْرِهِ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ أَرْمَانُوسُ مَلِكُ الرُّومِ فِي مِائَتَيْ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَالْفِرِنْجِ، وَالْغَرْبِ، وَالرُّوسِ، وَالْبُجْنَاكِ، وَالْكُرْجِ، وَغَيْرِهِمْ، مِنْ طَوَائِفِ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَجَاءُوا فِي تَجَمُّلٍ كَثِيرٍ، وَزِيٍّ عَظِيمٍ، وَقَصَدَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ، فَوَصَلَ إِلَى مَلَازْكَرْدَ مِنْ أَعْمَالِ خِلَاطٍ. فَبَلَغَ السُّلْطَانَ أَلْب أَرْسَلَانَ الْخَبَرُ. وَهُوَ بِمَدِينَةِ خُوَيَّ مِنْ أَذَرْبِيجَانَ، قَدْ عَادَ مِنْ حَلَبَ. وَسَمِعَ مَا هُوَ مَلِكُ الرُّومِ فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْجُمُوعِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ جَمْعِ الْعَسَاكِرِ لِبُعْدِهَا وَقُرْبِ الْعَدُوِّ، فَسَيَّرَ الْأَثْقَالَ مَعَ زَوْجَتِهِ وَنِظَامِ الْمُلْكِ إِلَى هَمَذَانَ، وَسَارَ هُوَ فِيمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ، وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ. وَجَدَّ فِي السَّيْرِ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّنِي أُقَاتِلُ مُحْتَسِبًا صَابِرًا، فَإِنْ سَلِمْتُ فَنِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ فَإِنَّ ابْنِي مَلِكْشَاهْ وَلِيُّ عَهْدِي، وَسَارُوا.
فَلَمَّا قَارَبَ الْعَدُوَّ جَعَلَ لَهُ مُقَدِّمَةً، فَصَادَفَتْ مُقَدِّمَتُهُ، عِنْدَ خِلَاطٍ، مُقَدِّمَ الرُّوسِيَّةِ فِي نَحْوِ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الرُّومِ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَتِ الرُّوسِيَّةُ، وَأُسِرَ مُقَدِّمُهُمْ، وَحُمِلَ إِلَى السُّلْطَانِ، فَجَدَعَ أَنْفَهُ، وَأَنْفَذَ بِالسَّلَبِ إِلَى نِظَامِ الْمُلْكِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ إِلَى بَغْدَاذَ، فَلَمَّا تَقَارَبَ الْعَسْكَرَانِ أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُهَادَنَةَ، فَقَالَ: لَا هُدْنَةَ إِلَّا بِالرَّيِّ، فَانْزَعَجَ السُّلْطَانُ لِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ إِمَامُهُ وَفَقِيهُهُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبُخَارِيُّ، الْحَنَفِيُّ: إِنَّكَ تُقَاتِلُ عَنْ دِينٍ وَعَدَ اللَّهُ بِنَصْرِهِ وَإِظْهَارِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ كَتَبَ بِاسْمِكَ هَذَا الْفَتْحَ، فَالْقَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، بَعْدَ الزَّوَالِ، فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَكُونُ الْخُطَبَاءُ عَلَى الْمَنَابِرِ، فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْمُجَاهِدِينَ بِالنَّصْرِ، وَالدُّعَاءُ مَقْرُونٌ بِالْإِجَابَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute