للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ السُّلْطَانُ: قَدْ رَدَدْتُ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا كَبِيرَهَا وَصَغِيرَهَا إِلَيْكَ، فَأَنْتَ الْوَالِدُ، وَحَلَفَ لَهُ، وَأَقْطَعَهُ إِقْطَاعًا زَائِدًا عَلَى مَا كَانَ، مَنْ جُمْلَتِهِ طُوسُ مَدِينَةُ نِظَامِ الْمُلْكِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَلَقَبَّهَ أَلْقَابًا مِنْ جُمْلَتِهَا: أَتَابِكُ، وَمَعْنَاهُ الْأَمِيرُ الْوَالِدُ، فَظَهَرَ فِي كِفَايَتِهِ، وَشَجَاعَتِهِ، وَحُسْنِ سِيرَتِهِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ امْرَأَةً ضَعِيفَةً اسْتَغَاثَتْ بِهِ، فَوَقَفَ يُكَلِّمُهَا وَتُكَلِّمُهُ، فَدَفَعَهَا بَعْضُ حُجَّابِهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّمَا اسْتَخْدَمْتُكَ لِأَمْثَالِ هَذِهِ، فَإِنَّ الْأُمَرَاءَ وَالْأَعْيَانَ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَيْكَ، ثُمَّ صَرَفَهُ عَنْ حِجَابَتِهِ.

ذِكْرُ قَتْلِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ.

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ حَمْدَانَ، وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، بِمِصْرَ، وَكَانَ قَدْ تَقَدَّمَ فِيهَا تَقَدُّمًا عَظِيمًا.

وَنَذْكُرُ هَاهُنَا الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِقَتْلِهِ، فَإِنَّهَا تَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفِي حُرُوبٍ وَتَجَارِبَ، وَكَانَ أَوَّلَ ذَلِكَ انْحِلَالُ أَمْرِ الْخِلَافَةِ، وَفَسَادُ أَحْوَالِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ الْعَلَوِيِّ، صَاحِبِهَا، وَسَبَبُهُ أَنَّ وَالِدَتَهُ كَانَتْ غَالِبَةً عَلَى أَمْرِهِ، وَقَدِ اصْطَنَعَتْ أَبَا سَعِيدٍ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيَّ الْيَهُودِيَّ، وَصَارَ وَزِيرًا لَهَا، فَأَشَارَ عَلَيْهَا بِوِزَارَةِ أَبِي نَصْرٍ الْفَلَّاحِيِّ، فَوَلَّتْهُ الْوِزَارَةَ، وَاتَّفَقَا مُدَّةً، ثُمَّ صَارَ الْفَلَّاحِيُّ يَنْفَرِدُ بِالتَّدْبِيرِ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا وَحْشَةٌ، فَخَافَهُ الْفَلَّاحِيُّ أَنْ يُفْسِدَ أَمْرَهُ مَعَ أُمِّ الْمُسْتَنْصِرِ فَاصْطَنَعَ الْغِلْمَانُ الْأَتْرَاكَ، وَاسْتَمَالَهُمْ، وَزَادَ فِي أَرْزَاقِهِمْ، فَلَمَّا وَثِقَ بِهِمْ وَضَعَهُمْ عَلَى قَتْلِ الْيَهُودِيِّ، فَقَتَلُوهُ، فَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى أُمِّ الْمُسْتَنْصِرِ، وَأَغْرَتْ بِهِ وَلَدَهَا، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَأَرْسَلَتْ مَنْ قَتَلَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَتْلِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ.

وَوَزَرَ بَعْدَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى الْغِلْمَانِ الْأَتْرَاكِ فَأَفْسَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>