أَحْوَالَهُمْ، وَشَرَعَ يَشْتَرِي الْعَبِيدَ لِلْمُسْتَنْصِرِ، وَاسْتَكْثَرَ مِنْهُمْ، فَوَضَعَتْهُ أُمُّ الْمُسْتَنْصِرِ لِيُغْرِيَ الْعَبِيدَ الْمُجَرَّدِينَ بِالْأَتْرَاكِ، فَخَافَ عَاقِبَةَ ذَلِكَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يُورِثُ شَرًّا وَفَسَادًا، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَتَنَكَّرَتْ لَهُ، وَعَزَلَتْهُ عَنِ الْوِزَارَةِ.
وَوَلِيَ بَعْدَهُ الْوِزَارَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْيَازُورِيُّ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الرَّمْلَةِ اسْمُهَا يَازُورُ، فَأَمَرَتْهُ أَيْضًا بِذَلِكَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَأَصْلَحَ الْأُمُورَ إِلَى أَنْ قُتِلَ.
وَوَزَرَ بَعْدَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ الْبَابِلِيِّ، فَأَمَرَتْهُ بِمَا أَمَرَتْ بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الْوُزَرَاءِ مِنْ إِغْرَاءِ الْعَبِيدِ بِالْأَتْرَاكِ، فَفَعَلَ، فَتَغَيَّرَتْ نِيَّاتُهُمْ.
ثُمَّ إِنِ الْمُسْتَنْصِرَ رَكِبَ لِيُشَيِّعَ الْحُجَّاجَ، فَأَجْرَى بَعْضُ الْأَتْرَاكِ فَرَسَهُ، فَوَصَلَ بِهِ إِلَى جَمَاعَةِ الْعَبِيدِ الْمُحْدَثِينَ، وَكَانُوا يُحِيطُونَ بِالْمُسْتَنْصِرِ، فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ فَجَرَحَهُ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْأَتْرَاكِ وَنَشِبَتْ بَيْنَهُمُ الْحَرْبُ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى تَسْلِيمِ الْجَارِحِ إِلَيْهِمْ وَاسْتَحْكَمَتِ الْعَدَاوَةُ، فَقَالَ الْوَزِيرُ لِلْعَبِيدِ: خُذُوا حِذْرَكُمْ، فَاجْتَمَعُوا فِي مَحِلَّتِهِمْ.
وَعَرَفَ الْأَتْرَاكُ ذَلِكَ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى مُقَدِّمِيهِمْ، وَقَصَدُوا نَاصِرَ الدَّوْلَةِ بْنَ حَمْدَانَ، وَهُوَ أَكْبَرُ قَائِدٍ بِمِصْرَ، وَشَكَوْا إِلَيْهِ، وَاسْتَمَالُوا الْمَصَامِدَةَ، وَكُتَامَةَ، وَتَعَاهَدُوا، وَتَعَاقَدُوا، فَقَوِيَ الْأَتْرَاكُ، وَضَعُفَ الْعَبِيدُ الْمُحْدَثُونَ، فَخَرَجُوا مِنَ الْقَاهِرَةِ إِلَى الصَّعِيدِ لِيَجْتَمِعُوا هُنَاكَ، فَانْضَافَ إِلَيْهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ يَزِيدُونَ عَلَى خَمْسِينَ أَلْفَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، فَخَافَ الْأَتْرَاكُ وَشَكَوْا إِلَى الْمُسْتَنْصِرِ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا فَعَلَ الْعَبِيدُ، وَأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، فَظَنُّوا قَوْلَهُ حِيلَةً عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ قَرُبَ الْخَبَرُ بِقُرْبِ الْعَبِيدِ مِنْهُمْ بِكَثْرَتِهِمْ، فَأَجْفَلَ الْأَتْرَاكُ وَكُتَامَةُ وَالْمَصَامِدَةُ، وَكَانَتْ عُدَّتُهُمْ سِتَّةَ آلَافٍ، فَالْتَقَوْا بِمَوْضِعٍ يُعْرَفُ بِكَوْمِ الرِّيشِ، وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ الْأَتْرَاكُ وَمَنْ مَعَهُمْ إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ كَمَنَ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْأَتْرَاكُ خَرَجَ الْكَمِينُ عَلَى سَاقَةِ الْعَبِيدِ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute