حَمْلَةً مُنْكَرَةً، وَضُرِبَتِ الْبُوقَاتُ، فَارْتَاعَ الْعَبِيدُ، وَظَنُّوهَا مَكِيدَةً مِنَ الْمُسْتَنْصِرِ، وَأَنَّهُ قَدْ رَكِبَ بَاقِي الْعَسْكَرِ، فَانْهَزَمُوا، وَعَادَ عَلَيْهِمُ الْأَتْرَاكُ وَحَكَّمُوا فِيهِمُ السُّيُوفَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ وَغَرِقَ نَحْوُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَقَوِيَتْ نُفُوسُ الْأَتْرَاكِ، وَعَرَفُوا حُسْنَ رَأْيِ الْمُسْتَنْصِرِ فِيهِمْ، وَتَجَمَّعُوا، وَحَشَدُوا، فَتَضَاعَفَ عُدَّتُهُمْ، وَزَادَتْ وَاجِبَاتُهُمْ لِلْإِنْفَاقِ فِيهِمْ، فَخَلَتِ الْخَزَائِنُ، وَاضْطَرَبَتِ الْأُمُورُ، وَتَجَمَّعَ بَاقِي الْعَسْكَرِ مِنَ الشَّامِ وَغَيْرِهِ إِلَى الصَّعِيدِ، فَاجْتَمَعُوا مَعَ الْعَبِيدِ، فَصَارُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، وَسَارُوا إِلَى الْجِيزَةِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمُ الْأَتْرَاكُ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَاقْتَتَلُوا فِي الْمَاءِ عِدَّةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَبَرَ الْأَتْرَاكُ النِّيلَ إِلَيْهِمْ مَعَ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ الْعَبِيدُ إِلَى الصَّعِيدِ، وَعَادَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ وَالْأَتْرَاكُ مَنْصُورِينَ.
ثُمَّ إِنَّ الْعَبِيدَ اجْتَمَعُوا بِالصَّعِيدِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، فَقَلِقَ الْأَتْرَاكُ لِذَلِكَ، فَحَضَرَ مُقَدَّمُوهُمْ دَارَ الْمُسْتَنْصِرِ لِشَكْوَى حَالِهِمْ، فَأَمَرَتْ أُمُّ الْمُسْتَنْصِرِ مَنْ عِنْدِهَا مِنَ الْعَبِيدِ بِالْهُجُومِ عَلَى الْمُقَدَّمِينَ وَالْفَتْكِ بِهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَسَمِعَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ الْخَبَرَ، فَهَرَبَ إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ، وَاجْتَمَعَ الْأَتْرَاكُ إِلَيْهِ وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَبِيدِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَالْقَاهِرَةِ، وَحَلَفَ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بْنُ حَمْدَانَ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ فَرَسِهِ وَلَا يَذُوقُ طَعَامًا حَتَّى يَنْفَصِلَ الْحَالُ بَيْنَهُمْ، فَبَقِيَتِ الْحَرْبُ ثَلَاثَ أَيَّامٍ، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمْ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَمَنْ سَلِمَ هَرَبَ، وَزَالَتْ دَوْلَتُهُمْ مِنَ الْقَاهِرَةِ.
وَكَانَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعَبِيدِ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ طَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأُمِّنُوا وَأُخِذَتْ مِنْهُمُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ، وَبَقِيَ الْعَبِيدُ الَّذِينَ بِالصَّعِيدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute