وَانْقَضَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ [وَأَرْبَعُمِائَةٍ] وَمَا قَبْلَهَا بِالْفِتَنِ. وَانْحَطَّ السِّعْرُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، وَرَخُصَتِ الْأَسْعَارُ، وَبَالَغَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ فِي إِهَانَةِ الْمُسْتَنْصِرِ، وَفَرَّقَ عَنْهُ عَامَّةَ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ يَقُولُ لِأَحَدِهِمْ: إِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أُوَلِّيَكَ عَمَلَ كَذَا، فَيَسِيرُ إِلَيْهِ فَلَا يُمَكِّنُهُ مِنَ الْعَمَلِ وَيَمْنَعُهُ مِنَ الْعَوْدِ، وَكَانَ غَرَضُهُ بِذَلِكَ (أَنْ يَخْطُبَ) لِلْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ مَعَ وُجُودِهِمْ، فَفَطِنَ لِفِعْلِهِ قَائِدٌ كَبِيرٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ اسْمُهُ إِلْدِكْز، وَعَلِمَ أَنَّهُ مَتَى مَا تَمَّ مَا أَرَادَ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَمِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَطْلَعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ قُوَّادِ الْأَتْرَاكِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، (وَكَانَ قَدْ أَمِنَ لِقُوَّتِهِ، وَعَدَمِ عَدُوِّهِ) ، فَتَوَاعَدُوا لَيْلَةً عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ سَحَرُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَوَاعَدُوا فِيهَا عَلَى قَتْلِهِ جَاءُوا إِلَى بَابِ دَارِهِ، وَهِيَ (الَّتِي تُعْرَفُ بِمَنَازِلِ الْعِزِّ، وَهِيَ) عَلَى النِّيلِ، فَدَخَلُوا، مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إِلَى صَحْنِ دَارِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ فِي رِدَاءٍ لِأَنَّهُ كَانَ آمِنًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ ضَرَبُوهُ بِالسُّيُوفِ، فَسَبَّهُمْ، وَهَرَبَ مِنْهُمْ، يُرِيدُ الْحَرَمَ، فَلَحِقُوهُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا رَأْسَهُ.
وَمَضَى رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُعْرَفُ بِكَوْكَبِ الدَّوْلَةِ، إِلَى فَخْرِ الْعَرَبِ، أَخِي نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ فَخْرُ الْعَرَبِ كَثِيرَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِلْحَاجِبِ: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى فَخْرِ الْعَرَبِ، وَقُلْ صَنِيعَتُكَ فُلَانٌ عَلَى الْبَابِ، فَاسْتَأْذَنَ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ وَقَالَ: لَعَلَّهُ قَدْ دَهَمَهُ أَمْرٌ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَسْرَعَ نَحْوَهُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ السَّلَامَ عَلَيْهِ، وَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى كَتِفِهِ، فَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَطَعَ رَأْسَهُ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ، وَكَانَ ذَا قِيمَةٍ وَافِرَةٍ، وَأَخَذَ جَارِيَةً لَهُ أَرْدَفَهَا خَلْفَهُ، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَقُتِلَ أَخُوهُمَا تَاجُ الْمَعَالِي، وَانْقَطَعَ
ذِكْرُ الْحَمْدَانِيَّةِ بِمِصْرَ بِالْكُلِّيَّةِ.
فَلَمَّا كَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَلِيَ الْأَمْرَ بِمِصْرَ بَدْرٌ الْجَمَّالِيُّ، أَمِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute