للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَتِ الْأَيَّامُ الَّتِي اشْتَدَّتْ فِيهَا الْحَرْبُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ: يَوْمُ عُنَيْزَةَ تَكَافَأُوا فِيهِ وَتَنَاصَفُوا. ثُمَّ الْيَوْمُ الثَّانِي يَوْمُ وَارِدَاتٍ، كَانَ لِتَغْلِبَ عَلَى بَكْرٍ. ثُمَّ الْيَوْمُ الثَّالِثُ الْحِنْوُ، كَانَ لِبَكْرٍ عَلَى تَغْلِبَ. ثُمَّ الْيَوْمُ الرَّابِعُ يَوْمُ الْقُصَيْبَاتِ، أُصِيبَ بَكْرٌ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَقِيلُوا. ثُمَّ الْيَوْمُ الْخَامِسُ يَوْمُ قِضَةَ، وَهُوَ يَوْمُ التَّحَالُقِ، وَشَهِدَهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَادٍ. ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامٌ دُونَ هَذِهِ، مِنْهَا: يَوْمُ النَّقِيَّةِ، وَيَوْمُ الْفَصِيلِ لِبَكْرٍ عَلَى تَغْلِبَ.

ثُمَّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُزَاحَفَةٌ إِنَّمَا كَانَ مُغَاوَرَاتٌ، وَدَامَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَةً.

ثُمَّ إِنَّ مُهَلْهِلًا قَالَ لِقَوْمِهِ: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ تُقْبِلُوا عَلَى قَوْمِكُمْ فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ صَلَاحَكُمْ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَى حَرْبِكُمْ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَمَا لُمْتُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ طَلَبِكُمْ بِوَتْرِكُمْ، فَلَوْ مَرَّتْ هَذِهِ السُّنُونَ فِي رَفَاهِيَةِ عَيْشٍ لَكَانَتْ تُمَلُّ مِنْ طُولِهَا، فَكَيْفَ وَقَدْ فَنِيَ الْحَيَّانِ وَثَكِلَتِ الْأُمَّهَاتُ وَيُتِّمَ الْأَوْلَادُ وَنَائِحَةٌ لَا تَزَالُ تَصْرُخُ فِي النَّوَاحِي، وَدُمُوعٌ لَا تُرْقَأُ، وَأَجْسَادٌ لَا تُدْفَنُ، وَسُيُوفٌ مَشْهُورَةٌ، وَرِمَاحٌ مُشْرَعَةٌ! وَإِنَّ الْقَوْمَ سَيَرْجِعُونَ إِلَيْكُمْ غَدًا بِمَوَدَّتِهِمْ وَمُوَاصَلَتِهِمْ وَتَتَعَطَّفُ الْأَرْحَامُ حَتَّى تَتَوَاسَوْا فِي قُبَالِ النَّعْلِ، فَكَانَ كَمَا قَالَ.

ثُمَّ قَالَ مُهَلْهِلٌ: أَمَّا أَنَا فَمَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ أُقِيمَ فِيكُمْ، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتِلِ كُلَيْبٍ، وَأَخَافُ أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى الِاسْتِئْصَالِ وَأَنَا سَائِرٌ إِلَى الْيَمَنِ، وَفَارَقَهُمْ وَسَارَ إِلَى الْيَمَنِ وَنَزَلَ فِي جَنْبٍ، وَهِيَ حَيٌّ مِنْ مَذْحِجٍ، فَخَطَبُوا إِلَيْهِ ابْنَتَهُ، فَمَنَعَهُمْ، فَأَجْبَرُوهُ عَلَى تَزْوِيجِهَا وَسَاقُوا إِلَيْهِ صَدَاقَهَا جُلُودًا مَنْ أُدُمٍ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:

أَعْزِرْ عَلَى تَغْلِبَ بِمَا لَقِيَتْ ... أُخْتُ بَنِي الْأَكْرَمِينَ مِنْ جُشَمِ

أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فِي ... جَنْبٍ وَكَانَ الْحِبَاءُ مِنْ أُدُمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>