عَسَاكِرَهُ أَيْضًا، وَخَرَجَ مِنْ أَهْلِ قُرْطُبَةَ عَسْكَرٌ كَثِيرٌ، وَقَصَدَهُ الْمُتَطَوِّعَةُ مِنْ سَائِرِ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ.
وَوَصَلَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى الْأَذْفُونْشِ، فَجَمَعَ فُرْسَانَهُ وَسَارَ مِنْ طُلَيْطُلَةَ، وَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ كِتَابًا كَتَبَهُ لَهُ بَعْضُ أُدَبَاءِ الْمُسْلِمِينَ، يُغْلِظُ لَهُ الْقَوْلُ، وَيَصِفُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْعَدَدِ وَالْعُدَدِ، وَبَالَغَ الْكَاتِبُ فِي الْكِتَابِ. فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْقَصِيرَةِ أَنْ يُجِيبَهُ، وَكَانَ كَاتِبًا مُفْلِقًا، فَكَتَبَ فَأَجَادَ، فَلَمَّا قَرَأَهُ عَلَى أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: هَذَا كِتَابٌ طَوِيلٌ، أَحْضِرْ كِتَابَ الْأَذْفُونْشِ وَاكْتُبْ فِي ظَهْرِهِ الَّذِي يَكُونُ سَتْرًا لَهُ.
فَلَمَّا عَادَ الْكِتَابُ إِلَى الْأَذْفُونْشِ ارْتَاعَ لِذَلِكَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ بُلِيَ بِرَجُلٍ لَهُ عَزْمٌ وَحَزْمٌ، فَازْدَادَ اسْتِعْدَادًا، فَرَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ رَاكِبُ فِيلٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَبْلٌ صَغِيرٌ، وَهُوَ يَنْقُرُ فِيهِ، فَقَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى الْقِسِّيسِينَ، فَلَمْ يَعْرِفُوا تَأْوِيلَهَا فَأَحْضَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا، عَالِمًا بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، فَقَصَّهَا عَلَيْهِ، فَاسْتَعْفَاهُ مِنْ تَعْبِيرِهَا، فَلَمْ يُعْفِهِ، فَقَالَ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الرُّؤْيَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: ١] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ - فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ - عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: ٨ - ١٠] ، وَيَقْتَضِي هَلَاكَ هَذَا الْجَيْشِ الَّذِي تَجْمَعُهُ.
فَلَمَّا اجْتَمَعَ جَيْشُهُ رَأَى كَثْرَتَهُ فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَحْضَرَ ذَلِكَ الْمُعَبِّرَ، وَقَالَ لَهُ: بِهَذَا الْجَيْشِ أَلْقَى إِلَهَ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ كِتَابِكُمْ، فَانْصَرَفَ الْمُعَبِّرُ، وَقَالَ لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ: هَذَا الْمَلِكُ هَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ مَعَهُ، وَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ» " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " «وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» ".
وَسَارَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُعْتَمِدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَتَّى أَتَوْا أَرْضًا يُقَالُ لَهَا الزَّلَّاقَةُ، مِنْ بَلَدِ بَطَلْيُوسَ، وَأَتَى الْأَذْفُونْشَ فَنَزَلَ مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، فَقِيلَ لِأَمِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute