وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى وَلَدِهِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ نَقِيبَ الْعَلَوِيِّينَ أَبَا الْغَنَائِمِ يُعَزِّيهِ، وَسَارَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى السُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَوَلَّاهُ مَا كَانَ لِأَبِيهِ، وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مَرَاثِي بَهَاءِ الدَّوْلَةِ.
ذِكْرُ وَقْعَةِ الزَّلَّاقَةِ بِالْأَنْدَلُسِ وَهَزِيمَةِ الْفِرِنْجِ.
قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ طُلَيْطُلَةَ، وَمَا فَعَلَهُ الْمُعْتَمِدُ بْنُ عَبَّادٍ بِرَسُولِ الْأَذْفُونْشِ، مَلِكِ الْفِرِنْجِ، وَعَوْدِ الْمُعْتَمِدِ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ. فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهَا، وَسَمِعَ مَشَايِخُ قُرْطُبَةَ بِمَا جَرَى، وَرَأَوْا قُوَّةَ الْفِرِنْجِ، وَضَعْفَ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِعَانَةَ بَعْضِ مُلُوكِهِمْ بِالْفِرِنْجِ عَلَى بَعْضٍ، اجْتَمَعُوا وَقَالُوا: هَذِهِ بِلَادُ الْأَنْدَلُسِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْفِرِنْجُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَإِنِ اسْتَمَرَّتِ الْأَحْوَالُ عَلَى مَا نَرَى عَادَتْ نَصْرَانِيَّةً كَمَا كَانَتْ.
وَسَارُوا إِلَى الْقَاضِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَدْهَمَ، فَقَالُوا لَهُ: أَلَا تَنْظُرُ إِلَى مَا فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ، وَعَطَائِهِمُ الْجِزْيَةَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا، وَقَدَ رَأَيْنَا رَأْيًا نَعْرِضُهُ عَلَيْكَ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالُوا: نَكْتُبُ إِلَى غَرْبِ إِفْرِيقِيَّةَ وَنَبْذُلُ لَهُمْ، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَيْنَا قَاسَمْنَاهُمْ أَمْوَالَنَا، وَخَرْجَنَا مَعَهُمْ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: نَخَافُ، إِذَا وَصَلُوا إِلَيْنَا، يُخَرِّبُونَ بِلَادَنَا، كَمَا فَعَلُوا بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَيَتْرُكُونَ الْفِرِنْجَ وَيَبْدَءُونَ بِكُمْ، وَالْمُرَابِطُونَ أَصْلَحُ مِنْهُمْ وَأَقْرَبُ إِلَيْنَا.
قَالُوا لَهُ: فَكَاتِبْ أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ، وَارْغَبْ إِلَيْهِ لِيَعْبُرَ إِلَيْنَا، وَيُرْسِلَ بَعْضَ قُوَّادِهِ.
وَقَدِمَ عَلَيْهِمُ الْمُعْتَمِدُ بْنُ عَبَّادٍ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ابْنُ أَدْهَمَ مَا كَانُوا فِيهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّادٍ: أَنْتَ رَسُولِي إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَامْتَنَعَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَ نَفْسَهُ مِنْ تُهْمَةٍ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ الْمُعْتَمِدُ، فَسَارَ إِلَى أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ (يُوسُفَ بْنِ تَاشْفِينَ) ، فَأَبْلَغَهُ الرِّسَالَةَ، وَأَعْلَمَهُ مَا فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْخَوْفِ مِنَ الْأَذْفُونْشِ.
وَكَانَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِمَدِينَةِ سَبْتَةَ، فَفِي الْحَالِ أَمَرَ بِعُبُورِ الْعَسَاكِرِ إِلَى الْأَنْدَلُسِ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَرَّاكُشَ فِي طَلَبِ مَنْ بَقِيَ مِنْ عَسَاكِرِهِ، فَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ تَتْلُو بَعْضَهَا بَعْضًا، فَلَمَّا تَكَامَلَتْ عِنْدَهُ عَبَرَ الْبَحْرَ وَسَارَ، فَاجْتَمَعَ بِالْمُعْتَمِدِ بْنِ عَبَّادٍ بِإِشْبِيلِيَّةَ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute