لِيَمْنَعَهُمْ مِنَ النُّزُولِ، فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ قُوَّادِهِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَنْكُوتٍ، لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَهْرِ، فَجَاءَتِ الرُّومُ، وَأَرْسَلُوا، وَطَلَعُوا إِلَى الْبَرِّ، وَنَهَبُوا، وَخَرَّبُوا وَأَحْرَقُوا، وَدَخَلُوا زَوِيلَةَ وَنَهَبُوهَا، وَكَانَتْ عَسَاكِرُ تَمِيمٍ غَائِبَةً فِي قِتَالِ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ.
ثُمَّ صَالَحَ تَمِيمٌ الرُّومَ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَرَدِّ جَمِيعِ مَا حَوُوهُ مِنَ السَّبْيِ، وَكَانَ تَمِيمٌ يَبْذُلُ الْمَالَ الْكَثِيرَ فِي الْغَرَضِ الْحَقِيرِ، فَكَيْفَ فِي الْغَرَضِ الْكَبِيرِ، حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ بَذَلَ لِلْعَرَبِ لَمَّا اسْتَوْلَوْا عَلَى حِصْنٍ لَهُ يُسَمَّى قَنَاطَةَ لَيْسَ بِالْعَظِيمِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ حَتَّى هَدَمَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا سَرَفٌ فِي الْمَالِ؛ فَقَالَ: هُوَ شَرَفٌ فِي الْحَالِ.
ذِكْرُ وَفَاةِ النَّاصِرِ بْنِ عَلْنَاسَ وَوِلَايَةِ وَلَدِهِ الْمَنْصُورِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ النَّاصِرُ بْنُ عَلْنَاسَ بْنِ حَمَّادٍ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْمَنْصُورُ، فَاقْتَفَى آثَارَ أَبِيهِ فِي الْحَزْمِ وَالْعَزْمِ وَالرِّئَاسَةِ، وَوَصَلَهُ كُتُبُ الْمُلُوكِ وَرُسُلُهُمْ بِالتَّعْزِيَةِ بِأَبِيهِ وَالتَّهْنِئَةِ بِالْمُلْكِ مِنْهُمْ: يُوسُفُ بْنُ تَاشَفِينَ، وَتَمِيمُ بْنُ الْمُعِزِّ، وَغَيْرُهُمَا.
ذِكْرُ وَفَاةِ إِبْرَاهِيمَ مَلِكِ غَزْنَةَ وَمُلْكِ ابْنِهِ مَسْعُودٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْمُؤَيِّدُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ، صَاحِبُ غَزْنَةَ، وَكَانَ عَادِلًا، كَرِيمًا، مُجَاهِدًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ فُتُوحِهِ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا، وَكَانَ عَاقِلًا، ذَا رَأْيٍ مَتِينٍ، فَمِنْ آرَائِهِ أَنَّ السُّلْطَانَ مَلِكْشَاهِ بْنَ أَلْب أَرْسِلَانَ السَّلْجُوقِيَّ جَمَعَ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ يُرِيدُ غَزْنَةَ، وَنَزَلَ بِأَسْفَرَارَ، فَكَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَسْعُودٍ كِتَابًا إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ أُمَرَاءِ مَلِكْشَاهْ يَشْكُرُهُمْ، وَيَعْتَدُّ لَهُمْ بِمَا فَعَلُوا مِنْ تَحْسِينِ قَصْدِ مَلِكْشَاهْ بِلَادَهُ لِيُتِمَّ لَنَا مَا اسْتَقَرَّ بَيْنَنَا مِنَ الظَّفَرِ بِهِ، وَتَخْلِيصِهِمْ مِنْ يَدِهِ، وَيَعِدُهُمُ الْإِحْسَانَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَ الْقَاصِدَ بِالْكُتُبِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَلِكْشَاهْ فِي الصَّيْدِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَأُخِذَ، وَأُحْضِرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ، فَأَنْكَرَهُ، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِجَلْدِهِ، فَجُلِدَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute