ذِكْرُ فَتْحِ سَمَرْقَنْدَ الْفَتْحَ الثَّانِيَ
لَمَّا اتَّصَلَتِ الْأَخْبَارُ بِعِصْيَانِ سَمَرْقَنْدَ بِالسُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ، وَقَتْلِ عَيْنِ الدَّوْلَةِ، مُقَدِّمِ الْجَكَلِيَّةِ، عَادَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بُخَارَى هَرَبَ يَعْقُوبُ الْمُسْتَوْلِي عَلَى سَمَرْقَنْدَ، وَمَضَى إِلَى فَرْغَانَةَ، وَلَحِقَ بِوِلَايَتِهِ.
وَوَصَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ عَسْكَرِهِ إِلَى السُّلْطَانِ مُسْتَأْمَنِينَ، فَلَقَوْهُ بِقَرْيَةٍ تُعْرَفُ بِالطَّوَاوِيسِ، وَلَمَّا وَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مَلَكَهَا، وَرَتَّبَ بِهَا الْأَمِيرَ أَبَرَ، وَسَارَ فِي أَثَرِ يَعْقُوبَ حَتَّى نَزَلَ بِيُوزْكَنْدَ، وَأَرْسَلَ الْعَسَاكِرَ إِلَى سَائِرِ الْأَكْنَافِ فِي طَلَبِهِ.
وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى مَلِكِ كَاشْغَرَ، وَهُوَ أَخُو يَعْقُوبَ، لِيَجِدَّ فِي أَمْرِهِ، وَيُرْسِلَهُ إِلَيْهِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ عَسْكَرَ يَعْقُوبَ شَغَبُوا عَلَيْهِ، وَنَهَبُوا خَزَائِنَهُ، وَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَنْ هَرَبَ عَلَى فَرَسِهِ، وَدَخَلَ إِلَى أَخِيهِ بِكَاشْغَرَ مُسْتَجِيرًا بِهِ.
فَسَمِعَ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ كَاشْغَرَ يَتَوَعَّدُهُ، إِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ إِلَيْهِ، أَنْ يَقْصِدَ بِلَادَهُ، وَيَصِيرَ هُوَ الْعَدُوَّ، فَخَافَ أَنْ يَمْنَعَ السُّلْطَانَ، وَأَنِفَ أَنْ يُسَلِّمَ أَخَاهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَجَارَ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ قَدِيمَةٌ، وَمُنَافِسَةٌ فِي الْمُلْكِ عَظِيمَةٌ، لِمَا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْعَارُ، فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنْ قَبَضَ عَلَى أَخِيهِ يَعْقُوبَ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي طَلَبِهِ فَظَفَرَ بِهِ، وَسَيَّرَهُ مَعَ وَلَدِهِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَّلَهُمْ بِيَعْقُوبَ، وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ هَدَايَا كَثِيرَةً لِلسُّلْطَانِ، وَأَمَرَ وَلَدَهُ أَنَّهُ إِذَا وَصَلَ إِلَى قَلْعَةٍ بِقُرْبِ السُّلْطَانِ أَنْ يَسْمَلَ يَعْقُوبَ وَيَتْرُكَهُ، فَإِنْ رَضِيَ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ، وَإِلَّا سَلَّمَهُ إِلَيْهِ.
فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى قَلْعَةٍ عَزَمَ ابْنُ مَلِكِ كَاشْغَرَ أَنْ يَسْمَلَ عَمَّهُ، وَيُنَفِّذَ فِيهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبُوهُ، فَتَقَدَّمَ بِكَتْفِهِ وَإِلْقَائِهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَقَدْ أَحْمَوُا الْمَيْلَ لِيَسْمَلُوهُ، إِذْ سَمِعُوا ضَجَّةً عَظِيمَةً، فَتَرَكُوهُ، وَتَشَاوَرُوا بَيْنَهُمْ، وَظَهَرَ عَلَيْهِمُ انْكِسَارٌ، ثُمَّ أَرَادُوا (بَعْدَ ذَلِكَ) سَمْلَهُ، وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضٌ، فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: أَخْبِرُونِي عَنْ حَالِكُمْ، وَمَا يَفُوتُكُمُ الَّذِي تُرِيدُونَهُ مِنِّي، وَإِذَا فَعَلْتُمْ بِي شَيْئًا رُبَّمَا نَدِمْتُمْ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute