فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ طُغْرُلَ بْنَ يَنَالَ أَسْرَى مِنْ ثَمَانِينَ فَرْسَخًا فِي عَشَرَاتِ أُلُوفٍ مِنَ الْعَسَاكِرِ، وَكَبَسَ أَخَاكَ بِكَاشْغَرَ، فَأَخَذَهُ أَسِيرًا، وَنَهَبَ عَسْكَرَهُ، وَعَادَ إِلَى بِلَادِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي تُرِيدُونَ تَفْعَلُونَهُ بِي لَيْسَ مِمَّا تَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا تَفْعَلُونَهُ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ أَخِي، وَقَدْ زَالَ أَمْرُهُ، وَوَعَدَهُمُ الْإِحْسَانَ فَأَطْلَقُوهُ.
فَلَمَّا رَأَى السُّلْطَانُ ذَلِكَ وَرَأَى طَمَعَ طُغْرُلَ بْنِ يَنَالَ، وَمَسِيرِهِ إِلَى كَاشْغَرَ، وَقَبْضِ صَاحِبِهَا، وَمَلْكِهِ لَهَا مَعَ قُرْبِهِ مِنْهُ، خَافَ أَنْ يَنْحَلَّ بَعْضُ أَمْرِهِ وَتَزُولَ هَيْبَتُهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ طُغْرُلَ سَارَ مِنْ يَدَيْهِ، فَإِنْ عَادَ عَنْهُ رَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ، وَكَذَلِكَ يَعْقُوبُ (أَخُو صَاحِبِ كَاشْغَرَ) ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُقَامُ لِسَعَةِ الْبِلَادِ وَرَاءَهُ وَخَوْفِ الْمَوْتِ بِهَا، فَوَضَعَ تَاجَ الْمُلْكِ عَلَى أَنْ يَسْعَى فِي إِصْلَاحِ أَمْرِ يَعْقُوبَ مَعَهُ، فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ السُّلْطَانُ، فَاتَّفَقَ هُوَ وَيَعْقُوبُ، وَعَادَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَجَعَلَ يَعْقُوبُ مُقَابِلَ طُغْرُلَ يَمْنَعُهُ مِنَ الْقُوَّةِ، وَمَلْكِ الْبِلَادِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُومُ فِي وَجْهِ الْآخَرِ.
ذِكْرُ عَوْدَ ابْنَةِ السُّلْطَانِ زَوْجَةِ الْخَلِيفَةِ إِلَى أَبِيهَا
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ ابْنَتَهُ طَلَبًا لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ تَشْكُو مِنَ الْخَلِيفَةِ، وَتَذْكُرُ أَنَّهُ كَثِيرُ الِاطِّرَاحِ لَهَا، وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، فَأَذِنَ لَهَا فِي الْمَسِيرِ، فَسَارَتْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَسَارَ مَعَهَا ابْنُهَا (مِنَ الْخَلِيفَةِ) أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَمَعَهُمَا سَائِرُ أَرْبَابِ الدَّوْلَةِ، وَمَشَى مَعَ مَحَفَّتِهَا سَعْدُ الدَّوْلَةِ كُوهَرَائِينُ، وَخَدَمُ دَارِ الْخِلَافَةِ الْأَكَابِرُ، وَخَرَجَ الْوَزِيرُ وَشَيَّعَهُمْ إِلَى النَّهْرَوَانِ وَعَادَ.
وَسَارَتِ الْخَاتُونُ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَتْ بِهَا إِلَى ذِي الْقَعْدَةِ، وَتُوُفِّيَتْ، وَجَلَسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute