أَنْ يَحْجِمَهُ بِمَشَارِيطِهِ الَّتِي مَعَهُ، فَامْتَنَعَ الْحَجَّامُ الْغَرِيبُ، فَأُمْسِكَ وَحُجِمَ فَمَاتَ، وَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ فِطْنَتِهِ.
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ يُوسُفَ ازْدَادَ غَيْظُهُ وَلَجَّ فِي السَّعْيِ فِي أَذًى يُوصِلُهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَمَالَ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ جِرَارًا مِنْ عَسَلٍ مَسْمُومٍ، فَحَضَرُوا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالُوا: قَدْ وَصَلَ إِلَيْنَا قَوْمٌ مَعَهُمْ جِرَارٌ مِنْ عَسَلٍ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ، وَأَرَدْنَا إِتْحَافَكَ بِهِ، وَأَحْضَرُوهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِ خُبْزٍ، وَأَمَرَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَهْدَوْا إِلَيْهِ الْعَسَلَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ، فَامْتَنَعُوا.
وَاسْتَعْفُوهُ مِنْ أَكْلِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَأْكُلْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، فَأَكَلُوا فَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ.
فَكَتَبَ إِلَى يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ: إِنَّكَ قَدْ أَرَدْتَ قَتْلِي بِكُلِّ وَجْهٍ، فَلَمْ يُظْفِرْكَ اللَّهُ بِذَلِكَ، فَكُفَّ عَنْ شَرِّكَ، فَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الْمَغْرِبَ بِأَسْرِهِ، وَلَمْ يُعْطِنِي غَيْرَ هَذَا الْجَبَلِ، وَهُوَ فِي بِلَادِكَ كَالشَّامَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، فَلَمْ تَقْنَعْ بِمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، - عَزَّ وَجَلَّ -.
فَلَمَّا رَأَى يُوسُفُ أَنَّ سِرَّهُ قَدِ انْكَشَفَ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِي أَمْرِهِ شَيْءٌ لِحَصَانَةِ جَبَلِهِ أَعْرَضَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْعَرَبِ مَدِينَةَ سُوسَةَ وَأَخْذِهَا مِنْهُمْ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ نَقَضَ ابْنُ عَلَوِيٍّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَمِيمِ بْنِ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ أَمِيرِ إِفْرِيقِيَّةَ مِنَ الْعَهْدِ، وَسَارَ فِي جَمْعٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ الْعَرَبِ، فَوَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ سُوسَةَ مِنْ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَأَهْلُهَا غَارُّونَ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ، فَدَخَلَهَا عَنْوَةً، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ بِهَا مِنَ الْعَسْكَرِ وَالْعَامَّةِ قِتَالٌ، فَقُتِلَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ جَمَاعَةٌ وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي أَصْحَابِهِ وَالْأَسْرُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ مَعَ تَمِيمٍ حَالٌ، فَفَارَقَهَا، وَخَرَجَ مِنْهَا إِلَى حِلَّتَهُ مِنَ الصَّحْرَاءِ.
وَكَانَ بِإِفْرِيقِيَّةَ هَذِهِ السَّنَةَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَصَلُحَتْ أَحْوَالُ أَهْلِهَا، وَأَخْصَبَتِ الْبِلَادُ، وَرَخُصَتِ الْأَسْعَارُ وَأَكْثَرَ أَهْلُهَا الزَّرْعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute