للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ، وَرَفَعَ الْعَامَّةُ الصُّلْبَانَ وَهَجَمُوا عَلَى الْوَزِيرِ فِي هِجْرَتِهِ، وَأَكْثَرُوا مِنَ الْكَلَامِ الشَّنِيعِ، وَقُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ رَجُلٌ هَاشِمِيٌّ مِنْ أَهْلِ بَابِ الْأَزَجِّ بِسَهْمٍ أَصَابَهُ، فَثَارَ الْعَامَّةُ هُنَاكَ بِعَلَوِيٍّ كَانَ مُقِيمًا بَيْنَهُمْ. فَقَتَلُوهُ وَحَرَقُوهُ، وَجَرَى مِنَ النَّهْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالْفَسَادِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ، فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ بْنَ مَزْيَدٍ، فَأَرْسَلَ عَسْكَرًا إِلَى بَغْدَاذَ، فَطَلَبُوا الْمُفْسِدِينَ وَالْعَيَّارِينَ، فَهَرَبُوا مِنْهُمْ، فَهُدِمَتْ دُورُهُمْ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ وَنُفِيَ وَسَكَنَتِ الْفِتْنَةُ، وَأَمِنَ النَّاسُ.

ذِكْرُ حِيلَةٍ لِأَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ ظَهَرَتْ ظُهُورًا غَرِيبًا

كَانَ بِالْمَغْرِبِ إِنْسَانٌ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَزُولِيُّ، سَيِّدُ قَبِيلَةِ كَزُولَةَ وَمَالِكُ جَبَلِهَا، وَهُوَ جَبَلٌ شَامِخٌ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ كَثِيرَةٌ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ يُوسُفُ بْنُ تَاشَفِينَ مَوَدَّةٌ وَاجْتِمَاعٌ، فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةُ أَرْسَلَ يُوسُفُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ يَطْلُبُ الِاجْتِمَاعَ بِهِ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا قَارَبَهُ خَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَعَادَ إِلَى جَبَلِهِ، وَاحْتَاطَ لِنَفْسِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يُوسُفُ، وَحَلِفَ لَهُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ إِلَّا الْخَيْرَ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَدْرٍ، فَلَمْ يَرْكَنْ مُحَمَّدٌ إِلَيْهِ.

فَدَعَا يُوسُفُ حَجَّامًا، وَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِينَارٍ، وَضَمِنَ لَهُ مِائَةَ دِينَارٍ أُخْرَى، إِنْ هُوَ سَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَاحْتَالَ عَلَى قَتْلِهِ.

فَسَارَ الْحَجَّامُ، وَمَعَهُ مَشَارِيطُ مَسْمُومَةٌ، فَصَعِدَ الْجَبَلَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ خَرَجَ يُنَادِي لِصِنَاعَتِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسَاكِنِ مُحَمَّدٍ، فَسَمِعَ مُحَمَّدٌ الصَّوْتَ، فَقَالَ: هَذَا الْحَجَّامُ مِنْ بَلَدِنَا؟ فَقِيلَ: إِنَّهُ غَرِيبٌ، فَقَالَ أَرَاهُ يُكْثِرُ الصِّيَاحَ، وَقَدِ ارْتَبْتُ بِذَلِكَ، ائْتُونِي بِهِ. فَأُحْضِرَ عِنْدَهُ، فَاسْتَدْعَى حَجَّامًا آخَرَ وَأَمَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>