بِلَادَ الرُّومِ، هَلْ أَتَى إِلَّا إِلَى قَوْمٍ مُسْلِمِينَ مُوَحِّدِينَ، فَاسْتَبَاحَ مِنْهُمْ مَا لَا يُسْتَبَاحُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ!
فَلَمَّا وَصَلَ كُوهَرَائِينُ وَابْنُ سَمْحَا إِلَى الْعَسْكَرِ وَشَكَوَا مِنَ الْوَزِيرِ إِلَى السُّلْطَانِ وَنِظَامِ الْمُلْكِ، وَأَخْبَرَاهُمَا بِجَمِيعِ مَا يَقُولُ عَنْهُمَا، وَيَكْسِرُ مِنْ أَغْرَاضِهِمَا، أَرْسَلَا إِلَى الْخَلِيفَةِ فِي عَزْلِهِ، فَعَزَلَهُ، وَأَمَرَهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ، وَكَانَ عَزْلُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَلَمَّا أُمِرَ بِذَلِكَ أَنْشَدَ:
تَوَلَّاهَا وَلَيْسَ لَهُ عَدُوٌّ ... وَفَارَقَهَا وَلَيْسَ لَهُ صَدِيقُ
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، يَوْمُ الْجُمْعَةِ، خَرَجَ مِنْ دَارِهِ إِلَى الْجَامِعِ رَاجِلًا، وَاجْتَمَعَ الْخَلْقُ الْعَظِيمُ عَلَيْهِ، فَأُمِرَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَمَّا عُزِلَ اسْتُنِيبَ فِي الْوِزَارَةِ أَبُو سَعِدِ بْنُ مُوصِلَايَا، كَاتِبُ الْإِنْشَاءِ، وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى السُّلْطَانِ وَنِظَامِ الْمُلْكِ يَسْتَدْعِي عَمِيدَ الدَّوْلَةِ بْنَ جَهِيرٍ لِيَسْتَوْزِرَهُ، فَسُيِّرَ إِلَيْهِ، فَاسْتَوْزَرَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَرَكِبَ إِلَيْهِ نِظَامُ الْمُلْكِ، فَهَنَّأَهُ بِالْوِزَارَةِ فِي دَارِهِ، وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ تَهْنِئَتَهُ بِالْعَوْدِ إِلَى الْوِزَارَةِ.
ذِكْرُ مُلْكِ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَجَبٍ، مَلَكَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ يُوسُفُ بْنُ تَاشَفِينَ، صَاحِبُ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، مِنْ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ مَا هُوَ بَيْدَ الْمُسْلِمِينَ: قُرْطُبَةَ وَإِشْبِيلِيَّةَ، وَقَبَضَ عَلَى الْمُعْتَمِدِ بْنِ عَبَّادٍ صَاحِبِهَا، وَمَلَكَ غَيْرَهَا مِنَ الْأَنْدَلُسِ.
وَلَقَدْ جَرَى لِلرَّشِيدِ بْنِ الْمُعْتَمِدِ حَادِثَةٌ شَبِيهَةٌ بِحَادِثَةِ الْأَمِينِ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الرَّشِيدِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِيسَى بْنُ اللُّبَانَةِ الدَّانِيُّ، مِنْ مَدِينَةِ دَانِيَةَ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ الرَّشِيدِ بْنِ الْمُعْتَمِدِ فِي مَجْلِسِ أُنْسِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَجَرَى
ذِكْرُ غَرْنَاطَةَ، وَمَلْكِ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَخْذَهَا فِي وَقْعَةِ الزَّلَّاقَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْنَاهَا تَفَجَّعَ، وَتَلَهَّفَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute