للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَرْجَعَ، وَذَكَرَ قَصْرَهَا، فَدَعَوْنَا لِقَصْرِهِ بِالدَّوَامِ، وَلِمُلْكِهِ بِتَرَاخِي الْأَيَّامِ فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ الْإِشْبِيلِيَّ بِالْغِنَاءِ فَغَنَّى:

يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ ... أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الْأَبَدِ

فَاسْتَحَالَتْ مَسَرَّتُهُ، وَتَجَهَّمَتْ أَسِرَّتُهُ. ثُمَّ أَمَرَ بِالْغِنَاءِ مِنْ سِتَارَتِهِ فَغُنِّيَ:

إِنْ شِئْتَ أَنْ لَا تَرَى صَبْرًا لِمُصْطَبِرٍ ... فَانْظُرْ إِلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحَ الطَّلَلُ

فَتَأَكَّدَ تَطَيُّرُهُ، وَاشْتَدَّ ارْبِدَادُ وَجْهِهِ وَتَغَيُّرُهُ، وَأَمَرَ مُغَنِّيَةً أُخْرَى بِالْغِنَاءِ، فَغَنَّتْ:

يَا لَهَفَ نَفْسِي عَلَى مَالٍ أُفَرِّقُهُ ... عَلَى الْمُقِلِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ

إِنَّ اعْتِذَارِي إِلَى مَنْ جَاءَ يَسْأَلُنِي ... مَا لَيْسَ عِنْدِي مِنْ إِحْدَى الْمُصِيبَاتِ

قَالَ ابْنُ اللُّبَانَةِ: فَتَلَافَيْتُ الْحَالَ بِأَنْ قُمْتُ فَقُلْتُ:

مَحَلُّ مَكْرُمَةٍ لَا هُدَّ مَبْنَاهُ ... وَشَمْلُ مَأْثُرَةٍ لَا شَتَّهُ اللَّهُ

الْبَيْتُ كَالْبَيْتِ لَكِنْ زَادَ ذَا ... شَرَفًا إِنَّ الرَّشِيدَ مَعَ الْمُعْتَدِّ رُكْنَاهُ

ثَاوٍ عَلَى أَنْجُمِ الْجَوْزَاءِ مَقْعَدُهُ ... وَرَاحِلٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثْوَاهُ

حَتْمٌ عَلَى الْمَلْكِ أَنْ يَقْوَى وَقَدْ ... وُصِلَتْ بِالشَّرْقِ وَالْغَرْبِ يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ

بَأْسٌ تَوَقَّدَ فَاحْمَرَّتْ لَوَاحِظُهُ ... وَنَائِلٌ شَبَّ فَاخْضَرَّتْ عِذَارَاهُ

فَلَعَمْرِي قَدْ بَسَطْتُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَعَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ أُنْسِهِ، عَلَى أَنِّي وَقَعْتُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الْكُلُّ بِقَوْلِي: الْبَيْتُ كَالْبَيْتِ. وَأَمَرَ إِثْرَ ذَلِكَ بِالْغِنَاءِ فَغُنِّيَ:

وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنَى كُلَّ حَاجَةٍ ... وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تُزَمَّ الرَّكَائِبُ

فَأَيْقَنَّا أَنَّ هَذِهِ الطِّيَرَ، تُعْقِبُ الْغِيَرَ. فَلَمَّا أَرَادَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ مَلْكَ الْأَنْدَلُسِ سَارَ مِنْ مُرَّاكِشَ إِلَى سَبْتَةَ، وَأَقَامَ بِهَا، وَسَيَّرَ الْعَسَاكِرَ مَعَ سِيرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>