الْأَنْدَلُسِ، فَعَبَرُوا الْخَلِيجَ فَأَتَوْا مَدِينَةَ مُرْسِيَةَ، فَمَلَكُوهَا وَأَعْمَالَهَا، وَأَخْرَجُوا صَاحِبَهَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ طَاهِرٍ مِنْهَا، وَسَارُوا إِلَى مَدِينَةِ شَاطِبَةَ وَمَدِينَةِ دَانِيَةَ فَمَلَكُوهَا.
وَكَانَتْ بَلَنْسِيَةُ قَدْ مَلَكَهَا الْفِرِنْجُ قَدِيمًا، بَعْدَ أَنْ حَصَرُوهَا سَبْعَ سِنِينَ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِوَقْعَةِ الزَّلَّاقَةِ فَارَقُوهَا، فَمَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا، وَعَمَّرُوهَا وَسَكَنُوهَا، فَصَارَتِ الْآنَ لِلْمُرَابِطِينَ.
وَكَانُوا قَدْ مَلَكُوا غَرْنَاطَةَ نَوْبَةَ الزَّلَّاقَةِ، فَقَصَدُوا مَدِينَةَ إِشْبِيلِيَّةَ، وَبِهَا صَاحِبُهَا الْمُعْتَمِدُ بْنُ عِبَادٍ، فَحَصَرُوهُ بِهَا، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ، فَقَاتَلَ أَهْلُهَا قِتَالًا شَدِيدًا، (وَظَهَرَ مِنْ شَجَاعَةِ) الْمُعْتَمِدِ، وَشِدَّةِ بَأْسِهِ، وَحُسْنِ دِفَاعِهِ عَنْ بَلَدِهِ مَا لَمْ يُشَاهَدْ مِنْ غَيْرِهِ مَا يُقَارِبُهُ، فَكَانَ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْمَوَاقِفِ الَّتِي لَا يُرْجَى خَلَاصُهُ مِنْهَا، فَيَسْلَمَ بِشَجَاعَتِهِ، وَشِدَّةِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ إِذَا نَفَدَتِ الْمُدَّةُ، لَمْ تُغْنِ الْعُدَّةُ.
وَكَانَتِ الْفِرِنْجُ قَدْ سَمِعُوا بِقَصْدِ عَسَاكِرِ الْمُرَابِطِينَ بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ، فَخَافُوا أَنْ يَمْلِكُوهَا ثُمَّ يَقْصِدُوا بِلَادَهُمْ، فَجَمَعُوا فَأَكْثَرُوا، وَسَارُوا لِيُسَاعِدُوا الْمُعْتَمِدَ، وَيُعِينُوهُ عَلَى الْمُرَابِطِينَ، فَسَمِعَ سِيرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، مُقَدِّمَ الْمُرَابِطِينَ بِمَسِيرِهِمْ، فَفَارَقَ إِشْبِيلِيَّةَ وَتَوَجَّهَ إِلَى لِقَاءِ الْفِرِنْجِ، فَلَقِيَهُمْ، وَقَاتَلَهُمْ، وَهَزَمَهُمْ، وَعَادَ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ فَحَصَرَهَا، وَلَمْ يَزَلِ الْحِصَارُ دَائِمًا، وَالْقِتَالُ مُسْتَمِرًّا إِلَى الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَعَظُمَ الْحَرْبُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ، وَدَخَلَهُ الْمُرَابِطُونَ مِنْ وَادِيهِ، وَنُهِبَ جَمِيعُ مَا فِيهِ، وَلَمْ يُبْقُوا عَلَى سَبَدٍ وَلَا لَبَدٍ، وَسَلَبُوا النَّاسَ ثِيَابَهُمْ، فَخَرَجُوا مِنْ مَسَاكِنِهِمْ يَسْتُرُونَ عَوْرَاتِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ، وَسُبِيَتِ الْمُخَدَّارَتُ، وَانْتُهِكَتِ الْحُرُمَاتُ، فَأُخِذَ الْمُعْتَمِدُ أَسِيرًا، وَمَعَهُ أَوْلَادُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، بَعْدَ أَنِ اسْتَأْصَلُوا جَمِيعَ مَالِهِمْ، فَلَمْ يَصْحَبْهُمْ مِنْ مُلْكِهِمْ بُلْغَةُ زَادٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُعْتَمِدَ سَلَّمَ الْبَلَدَ بِأَمَانٍ، وَكَتَبَ نُسْخَةَ الْأَمَانِ وَالْعَهْدِ، وَاسْتَحْلَفَهُمْ بِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَهْلِهِ، وَمَالِهِ، وَعَبِيدِهِ، وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسْبَابِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ إِلَيْهِمْ إِشْبِيلِيَّةَ لَمْ يَفُوا لَهُ، وَأَخَذُوهُمْ أُسَرَاءَ، وَمَالَهُمْ غَنِيمَةً، وَسُيِّرَ الْمُعْتَمِدُ وَأَهْلُهُ إِلَى مَدِينَةِ أَغْمَاتَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute