فَحُبِسُوا فِيهَا، وَفَعَلَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ أَفْعَالًا لَمْ يَسْلُكْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ قَبْلَهُ، وَلَا يَفْعَلُهَا أَحَدٌ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ، إِلَّا مَنْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ بِهَذِهِ الرَّذِيلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَجَنَهُمْ فَلَمْ يُجْرِ عَلَيْهِمْ مَا يَقُومُ بِهِمْ، حَتَّى كَانَتْ بَنَاتُ الْمُعْتَمِدِ يَغْزِلْنَ لِلنَّاسِ بِأُجْرَةٍ يُنْفِقُونَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَذَكَرَ ذَلِكَ الْمُعْتَمِدُ فِي أَبْيَاتٍ تَرِدُ عِنْدَ ذِكْرِ وَفَاتِهِ، فَأَبَانَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْفِعْلِ عَنْ صِغَرِ نَفْسٍ وَلُؤْمِ قُدْرَةٍ.
وَأَغْمَاتُ هَذِهِ مَدِينَةٌ فِي سَفْحِ جَبَلٍ بِالْقُرْبِ مِنْ مُرَّاكِشَ، وَسَيَرِدُ مِنْ ذِكْرِ الْمُعْتَمِدِ عِنْدَ مَوْتِهِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، مَا يُعْرَفُ بِهِ مَحَلُّهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ اللُّبَانَةِ: زُرْتُ الْمُعْتَمِدَ بَعْدَ أَسْرِهِ بِأَغْمَاتَ، وَقُلْتُ أَبْيَاتًا، عِنْدَ دُخُولِي إِلَيْهِ، مِنْهَا:
لَمْ أَقُلْ فِي الثِّقَافِ كَانَ ثِقَافًا ... كُنْتَ قَلْبًا بِهِ وَكَانَ شَغَافًا
يَمْكُثُ الزَّهْرُ فِي الْكِمَامِ ... وَلَكِنْ بَعْدَ مَكْثِ الْكِمَامِ يَدْنُو قِطَافَا
وَإِذَا مَا الْهِلَالُ غَابَ بِغَيْمٍ ... لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَغِيبُ انْكِسَافَا
إِنَّمَا أَنْتَ دُرَّةٌ لِلْمَعَالِي رَكِبَ ... الدَّهْرُ فَوْقَهَا أَصْدَافَا
حَجَبَ الْبَيْتُ مِنْكَ شَخْصًا ... كَرِيمًا مِثْلَمَا تَحْجُبُ الدِّنَانُ السُّلَافَا
أَنْتَ لِلْفَضْلِ كَعْبَةٌ وَلَوْ ... أَنِّي كُنْتُ أَسْطِيعُ لَالْتَزَمْتُ الطَّوَافَا
قَالَ: وَجَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُخَاطَبَاتٌ أَلَذُّ مِنْ غَفَلَاتِ الرَّقِيبِ، وَأَشْهَى مِنْ رَشَفَاتِ الْحَبِيبِ، وَأَدَلُّ عَلَى السَّمَاحِ مِنْ فَجْرٍ عَلَى صَبَاحٍ.
وَلَمَّا أُخِذَ الْمُعْتَمِدُ وَأَهْلُهُ قُتِلَ وَلَدَاهُ الْفَتْحُ وَيَزِيدُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَبْرًا، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute