للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُلُوكَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى بِلَادٍ بِالْغَرْبِ، وَفَرَّقَهُمْ فِيهَا، {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} [النمل: ٣٤] .

وَلَمَّا فَرَغَ سِيرُ مِنْ إِشْبِيلِيَّةَ سَارَ إِلَى الْمَرِيَّةَ فَنَازَلَهَا، وَكَانَ صَاحِبُهَا مُحَمَّدَ بْنَ (مَعْنِ بْنِ صُمَادِحَ) ، فَقَالَ لِوَلَدِهِ: مَا دَامَ الْمُعْتَمِدُ بِإِشْبِيلِيَّةَ فَلَا نُبَالِي بِالْمُرَابِطِينَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِمَلْكِهِمْ لَهَا، وَمَا جَرَى لِلْمُعْتَمِدِ، مَاتَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ غَمًّا وَكَمَدًا، فَلَمَّا مَاتَ سَارَ وَلَدُهُ الْحَاجِبُ وَأَهْلُهُ فِي مَرَاكِبَ، وَمَعَهُمْ كُلُّ مَالِهِمْ، وَقَصَدُوا بِلَادَ بَنِي حَمَّادٍ، فَأَحْسَنُوا إِلَيْهِمْ.

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْأَفْطَسِ، صَاحِبُ بَطْلَيْمُوسَ، مِمَّنْ أَعَانَ سِيرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَلَمَّا فُتِحَتْ إِشْبِيلِيَّةُ رَجَعَ ابْنُ الْأَفْطَسِ إِلَى بَلَدِهِ، فَسَارَ إِلَيْهِ سِيرُ، وَحَارَبَهُ، فَغَلَبَهُ، وَأَخَذَ بَلَدَهُ مِنْهُ، وَأَخَذَهُ أَسِيرًا هُوَ وَوَلَدُهُ الْفَضْلُ، فَقَتَلَهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ: قَدِّمُوا وَلَدِي قَبْلِي لِلْقَتْلِ لِيَكُونَ فِي صَحِيفَتِي! فَقُتِلَ وَلَدُهُ قَبْلَهُ، وَقُتِلَ هُوَ بَعْدَهُ، وَاحْتَوَى سِيرُ عَلَى ذَخَائِرِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.

وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْ مُلُوكِ الْأَنْدَلُسِ سِوَى بَنِي هُودٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِلَادَهُمْ، وَهِيَ شَرْقُ الْأَنْدَلُسِ، وَكَانَ صَاحِبُهَا حِينَئِذٍ الْمُسْتَعِينَ بِاللَّهِ بْنَ هُودٍ، وَهُوَ مِنَ الشُّجْعَانِ الَّذِينَ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِهِمْ، وَكَانَ قَدْ أَعَدَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْحِصَارِ، وَتَرَكَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ عِدَّةَ سِنِينَ بِمَدِينَةِ رُوطَةَ، وَكَانَتْ قَلْعَةً حَصِينَةً، وَكَانَتْ رَعِيَّتُهُ تَخَافُهُ، وَلَمْ يَزَلْ يُهَادِي أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ، قَبْلَ أَنْ يَقْصِدَ بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ وَيَمْلِكَهَا. وَيُوَاصِلُهُ، وَيُكْثِرُ مُرَاسَلَتَهُ، فَرَعَى لَهُ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّهُ أَوْصَى ابْنَهُ عَلِيَّ بْنَ يُوسُفَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>