للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَافَ يُوسُفُ عَلَى ابْنِهِ جَعْفَرٍ مِنْهُمْ، فَسَيَّرَهُ فِي مَرْكِبٍ إِلَى مِصْرَ، وَسَارَ أَبُوهُ يُوسُفُ بَعْدَهُ، وَمَعَهُمَا مِنَ الْأَمْوَالِ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَسَبْعُونَ أَلْفًا، وَكَانَ لِيُوسُفَ مِنَ الدَّوَابِّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ حِجْرَةٍ، سِوَى الْبِغَالِ وَغَيْرِهَا، وَمَاتَ بِمِصْرَ وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا دَابَّةٌ وَاحِدَةٌ.

وَلَمَّا وَلِيَ الْأَكْحَلُ أَخَذَ أَمْرَهُ بِالْحَزْمِ وَالِاجْتِهَادِ، وَجَمَعَ الْمُقَاتِلَةَ، وَبَثَّ سَرَايَاهُ فِي بِلَادِ الْكَفَرَةِ، فَكَانُوا يَحْرِقُونَ، وَيَغْنِمُونَ، وَيَسْبُونَ، وَيُخَرِّبُونَ الْبِلَادَ، وَأَطَاعَهُ جَمِيعُ قِلَاعِ صِقِلِّيَةَ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ.

وَكَانَ لِلْأَكْحَلِ ابْنٌ اسْمُهُ جَعْفَرٌ كَانَ يَسْتَنِيبُهُ إِذَا سَافَرَ، فَخَالَفَ سِيرَةَ أَبِيهِ، ثُمَّ (إِنَّ الْأَكْحَلَ) جَمَعَ أَهْلَ صِقِلِّيَةَ وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أُشْلِيكُمْ عَلَى الْإِفْرِيقِيِّنَ الَّذِينَ قَدْ شَارَكُوكُمْ فِي بِلَادِكُمْ، وَالرَّأْيُ إِخْرَاجُهُمْ، فَقَالُوا: قَدْ صَاهَرْنَاهُمْ وَصِرْنَا شَيْئًا وَاحِدًا، فَصَرَفَهُمْ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الْإِفْرِيقِيِّينَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَجَابُوهُ إِلَى مَا أَرَادَ، فَجَمَعَهُمْ حَوْلَهُ، فَكَانَ يَحْمِي أَمْلَاكَهُمْ، وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ أَمْلَاكِ أَهْلِ صِقِلِّيَةَ، فَسَارَ مِنْ أَهْلِ صِقِلِّيَةَ جَمَاعَةٌ إِلَى الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ، وَشَكَوْا إِلَيْهِ مَا حَلَّ بِهِمْ، وَقَالُوا: نُحِبُّ أَنْ نَكُونَ فِي طَاعَتِكَ، وَإِلَّا سَلَّمْنَا الْبِلَادَ إِلَى الرُّومِ، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَسَيَّرَ مَعَهُمْ وَلَدَهُ عَبْدَ اللَّهِ فِي عَسْكَرٍ، فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَحَصَرَ الْأَكْحَلَ فِي الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ صِقِلِّيَةَ، وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ نُصْرَةَ الْأَكْحَلِ، فَقَتَلَهُ الَّذِينَ أَحْضَرُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُعِزِّ.

ثُمَّ إِنَّ الصِّقِلِّيِّينَ رَجَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا: أَدْخَلْتُمْ غَيْرَكُمْ عَلَيْكُمْ، وَاللَّهِ لَا كَانَتْ عَاقِبَةُ أَمْرِكُمْ فِيهِ إِلَى خَيْرٍ! فَعَزَمُوا عَلَى حَرْبِ عَسْكَرِ الْمُعِزِّ، فَاجْتَمَعُوا وَزَحَفُوا إِلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ الْمُعِزِّ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ، وَرَجَعُوا فِي الْمَرَاكِبِ إِلَى إِفْرِيقِيَةَ، وَوَلَّى أَهْلُ الْجَزِيرَةِ عَلَيْهِمْ حَسَنًا الصَّمْصَامَ، أَخَا الْأَكْحَلِ، فَاضْطَرَبَتْ أَحْوَالُهُمْ، وَاسْتَوْلَى الْأَرَاذِلُ، وَانْفَرَدَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِبَلَدٍ، وَأَخْرَجُوا الصَّمْصَامَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>