مِنَ الِاعْتِذَارِ وَالْعُبُودِيَّةِ مَا كَانُوا اتَّفِقُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمُ السُّلْطَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ كِيتْ، وَكِيتْ، فَأَشَارُوا حِينَئِذٍ بِكِتْمَانِ ذَلِكَ رِعَايَةً لِحَقِّ نِظَامِ الْمُلْكِ، وَسَابِقَتِهِ، فَوَقَعَ التَّدْبِيرُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَمَّ عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ مَا تَمَّ.
وَمَاتَ السُّلْطَانُ بَعْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَانْحَلَّتِ الدَّوْلَةُ، وَوَقَعَ السَّيْفُ، وَكَانَ قَوْلُ نِظَامِ الْمُلْكِ شِبْهَ الْكَرَامَةِ لَهُ، وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مَرَاثِيَهُ، فَمِنْ جَيِّدِ مَا قِيلَ فِيهِ قَوْلُ شِبْلِ الدَّوْلَةِ مُقَاتِلِ بْنِ عَطِيَّةَ:
كَانَ الْوَزِيرُ نِظَامُ الْمُلْكِ لُؤْلُؤَةً ... يَتِيمَةً صَاغَهَا الرَّحْمَنُ مِنْ شَرَفٍ
عَزَّتْ فَلَمْ تَعْرِفِ الْأَيَّامُ قِيمَتَهَا ... فَرَدَّهَا غَيْرَةً مِنْهُ إِلَى الصَّدَفِ
وَرَأَى بَعْضُهُمْ نِظَامَ الْمُلْكِ بَعْدَ قَتْلِهِ فِي الْمَنَامِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ، فَقَالَ: كَانَ يُعْرَضُ عَلَيَّ جَمِيعُ عَمَلِي لَوْلَا الْحَدِيدَةُ الَّتِي أُصِبْتُ بِهَا، يَعْنِي: الْقَتْلَ.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ حَالِهِ وَشَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِ
أَمَّا ابْتِدَاءُ حَالِهِ، فَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الدَّهَاقِينِ بِطُوسَ، فَزَالَ مَا كَانَ لِأَبِيهِ مِنْ مَالٍ، وَمُلْكٍ، وَتُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ رَضِيعٌ، فَكَانَ أَبُوهُ يَطُوفُ بِهِ عَلَى الْمُرْضِعَاتِ فَيُرْضِعْنَهُ حِسْبَةً، حَتَّى شَبَّ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ، وَسِرُّ اللَّهِ فِيهِ يَدْعُوهُ إِلَى عُلُوِّ الْهِمَّةِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ، فَتَفَقَّهَ، وَصَارَ فَاضِلًا، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْأَعْمَالِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَلَمْ يَزَلِ الدَّهْرُ يَعْلُو بِهِ، وَيَخْفِضُ حَضَرًا، وَسَفَرًا.
وَكَانَ يَطُوفُ بِلَادَ خُرَاسَانَ، وَوَصَلَ إِلَى غَزْنَةَ فِي صُحْبَةِ بَعْضِ الْمُتَصَرِّفِينَ، ثُمَّ لَزِمَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ شَاذَانَ مُتَوَلِّي الْأُمُورِ بِبَلْخَ لِدَاوُدَ وَالِدِ السُّلْطَانِ أَلْب أَرْسِلَانَ، فَحَسُنَتْ حَالُهُ مَعَهُ، وَظَهَرَتْ كِفَايَتُهُ وَأَمَانَتُهُ، وَصَارَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ، فَلَمَّا حَضَرَتْ أَبَا عَلِيِّ بْنَ شَاذَانَ الْوَفَاةُ أَوْصَى الْمَلِكُ أَلْب أَرْسِلَانَ بِهِ، وَعَرَّفَهُ حَالَهُ، فَوَلَّاهُ شَغْلَهُ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute