ابْنَ الْخَلِيفَةِ مِنِ ابْنَةِ السُّلْطَانِ إِلَى أَبِيهِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَسَارَتْ مِنْ بَغْدَاذَ، وَالسُّلْطَانُ مَعَهَا مَحْمُولًا، وَبَذَلَتِ الْأَمْوَالَ لِلْأُمَرَاءِ سِرًّا، وَاسْتَحْلَفَتْهُمْ لِابْنِهَا مَحْمُودٍ، وَكَانَ تَاجُ الْمُلْكِ يَتَوَلَّى ذَلِكَ لَهَا، وَأَرْسَلَتْ قَوَامَ الدَّوْلَةِ كَرْبُوقَا الَّذِي صَارَ صَاحِبَ الْمَوْصِلِ إِلَى أَصْبَهَانَ بِخَاتَمِ السُّلْطَانِ، فَاسْتَنْزَلَ مُسْتَحْفِظَ الْقَلْعَةِ، وَتَسَلَّمَهَا، وَأَظْهَرَ أَنَّ السُّلْطَانَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِسُلْطَانٍ مِثْلِهِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلَمْ يُلْطَمْ عَلَيْهِ وَجْهٌ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُورَةً، وَمَعْنًى، وَخُطِبَ لَهُ مِنْ حُدُودِ الصِّينِ إِلَى آخَرِ الشَّامِ، وَمِنَ أَقَاصِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي الشَّمَالِ إِلَى آخَرِ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مُلُوكُ الرُّومِ الْجِزْيَةَ، وَلَمْ يَفُتْهُ مَطْلَبٌ، وَانْقَضَتْ أَيَّامُهُ عَلَى أَمْنٍ عَامٍ، وَسُكُونٍ شَامِلٍ، وَعَدْلٍ مُطَّرِدٍ.
وَمِنْ أَفْعَالِهِ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِ أَخُوهُ تُكَشْ بِخُرَاسَانَ اجْتَازَ بِمَشْهَدِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا بِطُوسٍ، فَزَارَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لِنِظَامِ الْمُلْكِ: بِأَيِّ شَيْءٍ دَعَوْتَ؟ قَالَ: دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَنْصُرَكَ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَدَعُ بِهَذَا بَلْ قُلْتُ: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَصْلَحَنَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْفَعَنَا لِلرَّعِيَّةِ.
وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ سَوَادِيًّا لَقِيَهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَاسْتَغَاثَ بِهِ، وَقَالَ: كُنْتُ ابْتَعْتُ بِطِّيخًا بِدُرَيْهِمَاتٍ لَا أَمْلِكُ سِوَاهَا، فَغَلَبَنِي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْأَتْرَاكِ، فَأَخَذُوهُ مِنِّي، فَقَالَ السُّلْطَانُ لَهُ: اقْعُدْ! ثُمَّ أَحْضَرَ فَرَّاشًا وَقَالَ: اشْتَهَيْتُ بِطِّيخًا، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَوَّلِ اسْتِوَائِهِ، وَأَمَرَ بِطَلَبِهِ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَغَابَ ثُمَّ عَادَ وَمَعَهُ الْبِطِّيخُ فَأَمَرَهُ بِإِحْضَارِ مَنْ وَجَدَهُ عِنْدَهُ، فَأَحْضَرُهُ، فَسَأَلَهُ السُّلْطَانُ مِنْ أَيْنَ لَهُ ذَلِكَ الْبِطِّيخُ؟ فَقَالَ: غِلْمَانِي جَاءُونِي بِهِ، فَأَمَرَ أَنْ يَجِيءَ بِهِمْ إِلَيْهِمْ، فَمَضَى، وَأَمَرَهُمْ بِالْهَرَبِ، وَعَادَ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُمْ، فَقَالَ لِلسَّوَادِيُّ: خُذْ مَمْلُوكِي هَذَا قَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ عِوَضًا عَنْ بِطِّيخِكَ، وَيُحْضِرَ الَّذِينَ أَخَذُوهُ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَطْلَقْتَهُ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. فَأَخَذَهُ السَّوَادِيُّ، فَاشْتَرَى الْغُلَامُ نَفْسَهُ مِنْهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، فَعَادَ السَّوَادِيُّ إِلَى السُّلْطَانِ، وَقَالَ: قَدْ بِعْتُهُ نَفْسَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ: أَرَضِيتَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: امْضِ مُصَاحَبًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute