وَكَانَ صَدَقَةُ قَدْ رَجَعَ إِلَى الْحِلَّةِ، فَدَخَلَ يُوسُفُ بْنُ آبِقٍ إِلَى بَغْدَاذَ، وَأَرَادَ نَهْبَهَا وَالْإِيقَاعَ بِأَهْلِهَا، فَمَنَعَهُ أَمِيرٌ كَانَ مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ وَصَلَ إِلَيْهِ الْخَبَرُ بِقَتْلِ تُتُشْ، فَرَحَلَ عَنْ بَغْدَاذَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَسَارَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى حَلَبَ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ بَرْكِيَارُقَ، وَتُتُشْ، وَقَتْلِ تُتُشْ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرَ، قُتِلَ تُتُشْ بْنُ أَلْب أَرْسِلَانَ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا هُزِمَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، سَارَ مِنْ مَوْضِعِ الْوَقْعَةِ إِلَى هَمَذَانَ، وَقَدْ تَحَصَّنَ بِهَا أَمِيرٌ آخَرُ، فَرَحَلَ تُتُشْ عَنْهَا، فَتَبِعَهُ أَمِيرٌ آخَرُ لِأَجْلِ أَثْقَالِهِ، فَعَادَ عَلَيْهِ تُتُشْ فَكَسَرَهُ، فَعَادَ إِلَى هَمَذَانَ، وَاسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ، وَصَارَ مَعَهُ.
وَبَلَغَ تُتُشْ مَرَضَ بَرْكِيَارُقَ، فَسَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَاسْتَأْذَنَهُ أَمِيرٌ آخَرُ فِي قَصْدِ جِرْبَاذَقَانَ لِإِقَامَةِ الضِّيَافَةِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَسَارَ إِلَيْهَا، وَمِنْهَا إِلَى أَصْبَهَانَ، وَعَرَّفَهُمْ خَبَرَ تُتُشْ.
وَعَلِمَ تُتُشْ خَبَرَهُ، فَنَهَبَ جِرْبَاذَقَانَ، وَسَارَ إِلَى الرَّيِّ، وَرَاسَلَ الْأُمَرَاءَ الَّذِينَ بِأَصْبَهَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَيَبْذُلُ لَهُمُ الْبَذُولَ الْكَثِيرَةَ، وَكَانَ بَرْكِيَارُقُ مَرِيضًا بِالْجُدَرِيِّ، فَأَجَابُوهُ يَعِدُونَهُ بِالِانْحِيَازِ إِلَيْهِ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ مَا يَكُونُ مِنْ بَرْكِيَارُقَ، فَلَمَّا عُوفِيَ أَرْسَلُوا إِلَى تُتُشْ: لَيْسَ بَيْنَنَا غَيْرُ السَّيْفِ، وَسَارُوا مَعَ بَرْكِيَارُقَ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَهُمْ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَلَمَّا بَلَغُوا جِرْبَاذَقَانَ أَقْبَلَتْ إِلَيْهِمُ الْعَسَاكِرُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، حَتَّى صَارُوا فِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَالْتَقَوْا بِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنَ الرَّيِّ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ تُتُشْ، وَثَبَتَ هُوَ، فَقُتِلَ، قِيلَ قَتَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ آقْسَنْقَرَ، صَاحِبِ حَلَبَ، أَخْذًا بِثَأْرِ صَاحِبِهِ.
وَكَانَ قَدْ قُبِضَ عَلَى فَخْرِ الْمُلْكِ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ، وَهُوَ مَعَهُ، فَأُطْلِقَ، وَاسْتَقَامَ الْأَمْرُ وَالسَّلْطَنَةُ لِبَرْكِيَارُقَ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ، بِالْأَمْسِ يَنْهَزِمُ مِنْ عَمِّهِ تُتُشْ، وَيَصِلُ إِلَى أَصْبَهَانَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَلَا يَتْبَعُهُ أَحَدٌ، وَلَوْ تَبِعَهُ عِشْرُونَ فَارِسًا لَأَخَذُوهُ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى بَابِ أَصْبَهَانَ عِدَّةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ لَمَّا دَخَلَهَا أَرَادَ الْأُمَرَاءُ كَلْحَهُ، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَخَاهُ حُمَّ ثَانِيَ يَوْمِ وُصُولِهِ، وَجُدِرَ، فَمَاتَ، فَقَامَ فِي الْمُلْكِ مَقَامَهُ، ثُمَّ جُدِرَ هُوَ، وَأَصَابَهُ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute