للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ أَخَذَهُ غُلَامٌ لِأَبِيهِ اسْمُهُ أَيْتَكِينُ الْحَلَبِيُّ، وَسَارَ بِهِ إِلَى حَلَبَ، وَأَقَامَ عِنْدَ أَخِيهِ الْمَلِكِ رِضْوَانَ، فَرَاسَلَهُ الْأَمِيرُ سَاوَتَكِينُ الْخَادِمُ الْوَالِي بِقَلْعَةِ دِمَشْقَ سِرًّا، يَدْعُوهُ لِيُمَلِّكَهُ دِمَشْقَ، فَهَرَبَ مِنْ حَلَبَ سِرًّا، وَجَدَّ فِي السَّيْرِ، فَأَرْسَلَ أَخُوهُ رِضْوَانُ عِدَّةً مِنَ الْخَيَّالَةِ، فَلَمْ يُدْرِكُوهُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى دِمَشْقَ فَرِحَ بِهِ الْخَادِمُ، وَأَظْهَرَ الِاسْتِبْشَارَ، وَلَقِيَهُ، فَلَمَّا دَخَلَهَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَاغِي سِيَانَ يُشِيرُ عَلَيْهِ بِالتَّفَرُّدِ بِمُلْكِ دِمَشْقَ عَنْ أَخِيهِ رِضْوَانَ.

وَاتَّفَقَ وُصُولُ مُعْتَمِدِ الدَّوْلَةِ طَغْدَكِينَ إِلَى دِمَشْقَ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ خَوَاصِّ تُتُشْ وَعَسْكَرِهِ، وَقَدْ سَلِمُوا، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ شَهِدَ الْحَرْبَ مَعَ صَاحِبِهِ، وَأُسِرَ، فَبَقِيَ إِلَى الْآنَ، وَخَلُصَ مِنَ الْأَسْرِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى دِمَشْقَ لَقِيَهُ الْمَلِكُ دُقَاقُ وَأَرْبَابُ دَوْلَتِهِ، وَبَالَغُوا فِي إِكْرَامِهِ، وَكَانَ زَوْجَ وَالِدَةِ دُقَاقٍ فَمَالَ إِلَيْهِ لِذَلِكَ، وَحَكَّمَهُ فِي بِلَادِهِ، وَعَمِلُوا عَلَى قَتْلِ الْخَادِمِ سَاوَتَكِينَ، فَقَتَلُوهُ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ يَاغِي سِيَانَ مِنْ أَنْطَاكِيَّةَ، وَمَعَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْخَوَارِزْمِيُّ، فَجَعَلَهُ وَزِيرًا لِدُقَاقٍ، وَحَكَّمَهُ فِي دَوْلَتِهِ.

ذِكْرُ وَفَاةِ الْمُعْتَمِدِ بْنِ عَبَّادٍ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْمُعْتَمِدُ بْنُ عَبَّادٍ، الَّذِي كَانَ صَاحِبَ الْأَنْدَلُسِ، مَسْجُونًا بِأَغْمَاتَ، مِنْ بَلَدِ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفَ أُخِذَتْ بِلَادُهُ مِنْهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَبَقِيَ مَسْجُونًا إِلَى الْآنَ، وَتُوُفِّيَ، وَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الدُّنْيَا كَرَمًا، وَعِلْمًا، وَشَجَاعَةً، وَرِئَاسَةً تَامَّةً، وَأَخْبَارُهُ مَشْهُورَةٌ، وَآثَارُهُ مُدَوَّنَةٌ.

وَلَهُ أَشْعَارٌ حَسَنَةٌ، فَمِنْهَا مَا قَالَهُ لَمَّا أُخِذَ مُلْكُهُ وَحُبِسَ:

سَلَّتْ عَلَيَّ يَدُ الْخُطُوبِ سُيُوفَهَا ... فَجَذَذْنَ مِنْ جَسَدِي الْحَصِيفِ الْأَمْتَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>