للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخَذَ فِي إِتْمَامِ الْقَصِيدَةِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ يَبْكُونَ. وَلَوْ أَخَذْنَا فِي تَفْصِيلِ مَنَاقِبِهِ وَمَحَاسِنِهِ لَطَالَ الْأَمْرُ، فَلْنَقِفْ عِنْدَ هَذَا.

ذِكْرُ وَفَاةِ الْوَزِيرِ أَبِي شُجَاعٍ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْوَزِيرُ أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَأَصْلُهُ مِنْ رُوذَرَاوَرَ، وَوَلُدِ بِالْأَهْوَازِ، وَقَرَأَ الْفِقْهَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَهُ تَصَانِيفُ مِنْهَا: ذَيَلُ تَجَارِبِ الْأُمَمِ، وَكَانَ عَفِيفًا، عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، كَثِيرَ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ، وَكَانَ مَوْتُهُ بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ مُجَاوِرًا فِيهَا.

وَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَمَرَ فَحُمِلَ إِلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَقَفَ بِالْحَضْرَةِ وَبَكَى، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ اللَّهُ، - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: ٦٤] ، وَقَدْ جِئْتُ مُعْتَرِفًا بِذُنُوبِي، وَجَرَائِمِي أَرْجُو شَفَاعَتَكَ.

وَبَكَى فَأَكْثَرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ، وَدُفِنَ عِنْدَ قَبْرِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِنَيْسَابُورَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْحِجَّةِ، جَمَعَ أَمِيرٌ كَبِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ خُرَاسَانَ جَمْعًا كَثِيرًا، وَسَارَ بِهِمْ إِلَى نَيْسَابُورَ، فَحَصَرَهَا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُهَا وَقَاتَلُوهُ أَشَدَّ قِتَالٍ، وَلَازَمَ حِصَارَهُمْ نَحْوَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا لَمْ يَجِدُ لَهُ مَطْمَعًا فِيهَا سَارَ عَنْهَا فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَلَمَّا فَارَقَهَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِهَا بَيْنَ الْكَرَامِيَّةِ وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ مِنْ أَهْلِهَا، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>