كَانَ] قَدْ قَارَبَ الْمَوْتَ فَتَرَكُوهُ وَسَارُوا عَنْهُ، وَاجْتَازَ بِهِ إِنْسَانٌ أَرْمَنِيٌّ كَانَ يَقْطَعُ الْحَطَبَ، وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ رَأْسَهُ وَحَمَلَهُ إِلَى الْفِرِنْجِ بِأَنْطَاكِيَةَ.
وَكَانَ الْفِرِنْجُ قَدْ كَاتَبُوا صَاحِبَ حَلَبَ، وَدِمَشْقَ، بِأَنَّنَا لَا نَقْصِدُ غَيْرَ الْبِلَادِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِ الرُّومِ، لَا نَطْلُبُ سِوَاهَا، مَكْرًا مِنْهُمْ وَخَدِيعَةً، حَتَّى لَا يُسَاعِدُوا صَاحِبَ أَنْطَاكِيَةَ.
ذِكْرُ مَسِيرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْفِرِنْجِ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ
لَمَّا سَمِعَ قِوَامُ الدَّوْلَةِ كَرْبُوقَا بِحَالِ الْفِرِنْجِ، وَمُلْكِهِمْ أَنْطَاكِيَةَ، جَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ إِلَى الشَّامِ، وَأَقَامَ بِمَرْجِ دَابِقَ، وَاجْتَمَعَتْ مَعَهُ عَسَاكِرُ الشَّامِ، تُرْكُهَا وَعَرَبُهَا سِوَى مَنْ كَانَ بِحَلَبَ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُ دُقَاقُ بْنُ تُتُشَ وطُغْتِكِينُ أَتَابِكُ، وَجَنَاحُ الدَّوْلَةِ، وَصَاحِبُ حِمْصَ، وَأَرْسِلَانُ تَاشْ، صَاحِبُ سِنْجَارَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أُرْتُقَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَرَاءِ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ، فَلَمَّا سَمِعَتِ الْفِرِنْجُ عَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ عَلَيْهِمْ، وَخَافُوا لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْوَهَنِ، وَقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ عِنْدَهُمْ، وَسَارَ الْمُسْلِمُونَ، فَنَازَلُوهُمْ عَلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَأَسَاءَ كَرْبُوقَا السِّيرَةَ، فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَغْضَبَ الْأُمَرَاءَ وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَأَغْضَبَهُمْ ذَلِكَ، وَأَضْمَرُوا لَهُ فِي أَنْفُسِهِمُ الْغَدْرَ، إِذَا كَانَ قِتَالٌ، وَعَزَمُوا عَلَى إِسْلَامِهِ عِنْدَ الْمَصْدُوقَةِ.
وَأَقَامَ الْفِرِنْجُ بِأَنْطَاكِيَةَ، بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا، اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَهُ، وَتَقَوَّتَ الْأَقْوِيَاءُ بِدَوَابِّهِمْ، وَالضُّعَفَاءُ بِالْمَيْتَةِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ أَرْسَلُوا إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute