كَرْبُوقَا يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْأَمَانَ لِيَخْرُجُوا مِنَ الْبَلَدِ، فَلَمْ يُعْطِهِمْ مَا طَلَبُوهُ، وَقَالَ: لَا تَخْرُجُونَ إِلَّا بِالسَّيْفِ.
وَكَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُلُوكِ بَرْدُوِيلُ، وَصَنْجِيلُ، وَكُنْدُفْرِي، وَالْقُمَّصُ، صَاحِبُ الرُّهَا وَبَيْمُنْتُ، صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ، وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ مَعَهُمْ رَاهِبٌ مُطَاعٌ فِيهِمْ، وَكَانَ دَاهِيَةً مِنَ الرِّجَالِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْمَسِيحَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ لَهُ حَرْبَةٌ مَدْفُونَةٌ بِالقِسْيَانِ الَّذِي بِأَنْطَاكِيَةَ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهَا فَإِنَّكُمْ تَظْفَرُونَ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوهَا فَالْهَلَاكُ مُتَحَقِّقٌ.
وَكَانَ قَدْ دَفَنَ قَبْلَ ذَلِكَ حَرْبَةً فِي مَكَانٍ فِيهِ، وَعَفَّى أَثَرَهَا، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّوْمِ وَالتَّوْبَةِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ أَدْخَلَهُمُ الْمَوْضِعَ جَمِيعَهُمْ، وَمَعَهُمْ عَامَّتُهُمْ، وَالصُّنَّاعُ مِنْهُمْ، وَحَفَرُوا فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ فَوَجَدُوهَا كَمَا ذَكَرَ، فَقَالَ لَهُمْ: أَبْشِرُوا بِالظَّفَرِ، فَخَرَجُوا فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ مِنَ الْبَابِ مُتَفَرِّقِينَ مِنْ خَمْسَةٍ، وَسِتَّةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِكَرْبُوقَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقِفَ عَلَى الْبَابِ، فَتَقْتُلَ كُلَّ مَنْ يَخْرُجُ، فَإِنَّ أَمْرَهُمُ الْآنَ، وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ، سَهْلٌ فَقَالَ لَا تَفْعَلُوا! أَمْهِلُوهُمْ حَتَّى يَتَكَامَلَ خُرُوجُهُمْ فَنَقْتُلَهُمْ، وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ مُعَاجَلَتِهِمْ، فَقَتَلَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةً مِنَ الْخَارِجِينَ، فَجَاءَ إِلَيْهِمْ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَمَنَعَهُمْ، وَنَهَاهُمْ.
فَلَمَّا تَكَامَلَ خُرُوجُ الْفِرِنْجِ، وَلَمْ يَبْقَ بِأَنْطَاكِيَةَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، ضَرَبُوا مَصَافًّا عَظِيمًا، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُنْهَزِمِينَ، لِمَا عَامَلَهُمْ بِهِ كَرْبُوقَا أَوَّلًا مِنَ الِاسْتِهَانَةِ بِهِمْ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، وَثَانِيًا مِنْ مَنْعِهِمْ عَنْ قَتْلِ الْفِرِنْجِ، وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَضْرِبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِسَيْفٍ، وَلَا طَعَنَ بِرُمْحٍ، وَلَا رَمَى بِسَهْمٍ، وَآخِرُ مَنِ انْهَزَمَ سُقْمَانُ بْنُ أُرْتُقَ، وَجَنَاحُ الدَّوْلَةِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا فِي الْكَمِينِ، وَانْهَزَمَ كَرْبُوقَا مَعَهُمْ. فَلَمَّا رَأَى الْفِرِنْجُ ذَلِكَ ظَنُّوهُ مَكِيدَةً، إِذْ لَمْ يَجْرِ قِتَالٌ يُنْهَزَمُ مِنْ مِثْلِهِ، وَخَافُوا أَنْ يَتْبَعُوهُمْ، وَثَبَتَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ، وَقَاتَلُوا حِسْبَةً، وَطَلَبًا لِلشَّهَادَةِ، فَقَتَلَ الْفِرِنْجُ مِنْهُمْ أُلُوفًا، وَغَنِمُوا مَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute