فَبَيْنَمَا هُوَ يُفْطِرُ، وَكَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَصُومَ أَيَّامًا مِنَ الْأُسْبُوعِ، فَلَمَّا قَارَبَ الْفَرَاغَ مِنَ الْإِفْطَارِ هَجَمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْأَتْرَاكِ الْمُوَلَّدِينِ بِخُوَارِزْمَ، وَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ خَيْلِهِ، فَصَدَمَ أَحَدُهُمُ الْمَشْعَلَ فَأَلْقَاهُ، وَصَدَمَ الْآخَرُ الشَّمْعَةَ فَأَطْفَأَهَا، وَضَرَبَهُ الثَّالِثُ بِالسِّكِّينِ فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ مَعَهُ جَانْدَارِهْ، وَاخْتَلَطَ النَّاسُ فِي الظُّلْمَةِ، وَنَهَبُوا خَزَائِنَهُ، وَتَفَرَّقَ عَسْكَرُهُ، وَبَقِيَ مُلْقًى فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى دَارِهِ بِأَصْبَهَانَ، وَدُفِنَ بِهَا.
وَوَصَلَ خَبَرُ قَتْلِهِ إِلَى السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، وَهُوَ بِخُوَارِ الرَّيِّ، قَدْ خَرَجَ مِنْ خُرَاسَانَ عَازِمًا عَلَى قَتْلِهِ وَهُوَ عَلَى غَايَةِ الْحَذَرِ مِنْ قِتَالِهِ وَعَاقِبَةِ أَمْرِهِ، وَفَرِحَ مَجْدُ الْمُلْكِ الْبَلَاسَانِيُّ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ يَوْمِهِ عَنْ قَرِيبٍ، وَكَانَ عُمُرُ أُنَرَ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْخَيْرِ وَالْمَحَبَّةِ لِلصَّالِحِينَ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ
كَانَ الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ لِتَاجِ الدَّوْلَةِ تُتُشَ، وَأَقْطَعَهُ لِلْأَمِيرِ سُقْمَانَ بْنِ أُرْتُقَ التُّرْكُمَانِيِّ، فَلَمَّا ظَفِرَ الْفِرِنْجُ بِالْأَتْرَاكِ عَلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَقَتَّلُوا فِيهِمْ، ضَعُفُوا، وَتَفَرَّقُوا، فَلَمَّا رَأَى الْمِصْرِيُّونَ ضَعْفَ الْأَتْرَاكِ سَارُوا إِلَيْهِ، وَمُقَدَّمُهُمُ الْأَفْضَلُ بْنُ بَدْرٍ الْجَمَالِيُّ، وَحَصَرُوهُ، وَبِهِ الْأَمِيرُ سُقْمَانُ، وَإِيلْغَازِي ابْنَا أُرْتُقَ، وَابْنُ عَمِّهِمَا سُونُجُ، وَابْنُ أَخِيهِمَا يَاقُوتِي، وَنَصَبُوا عَلَيْهِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ مَنْجَنِيقًا، فَهَدَمُوا مَوَاضِعَ مِنْ سُورِهِ، وَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ الْبَلَدِ، فَدَامَ الْقِتَالُ وَالْحِصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَمَلَكُوهُ بِالْأَمَانِ فِي شَعْبَانَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
وَأَحْسَنَ الْأَفْضَلُ إِلَى سُقْمَانَ وَإِيلْغَازِي وَمَنْ مَعَهُمَا، وَأَجْزَلَ لَهُمُ الْعَطَاءَ، وَسَيَّرَهُمْ فَسَارُوا إِلَى دِمَشْقَ، ثُمَّ عَبَرُوا الْفُرَاتَ، فَأَقَامَ سُقْمَانُ بِبَلَدِ الرُّهَا وَسَارَ إِيلْغَازِي إِلَى الْعِرَاقِ، وَاسْتَنَابَ الْمِصْرِيُّونَ فِيهِ رَجُلًا يُعْرَفُ بِافْتِخَارِ الدَّوْلَةِ، وَبَقِيَ فِيهِ إِلَى الْآنِ، فَقَصَدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute