للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِرِنْجُ، بَعْدَ أَنْ حَصَرُوا عَكَّا، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهِ حَصَرُوهُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَنَصَبُوا عَلَيْهِ بُرْجَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ نَاحِيَةِ صِهْيَوْنَ، وَأَحْرَقَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ بِهِ.

فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ إِحْرَاقِهِ أَتَاهُمُ الْمُسْتَغِيثُ بِأَنَّ الْمَدِينَةَ قَدْ مُلِكَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَمَلَكُوهَا مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ مِنْهُ ضَحْوَةَ نَهَارِ الْجُمُعَةِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَرَكِبَ النَّاسُ السَّيْفَ، وَلَبِثَ الْفِرِنْجُ فِي الْبَلْدَةِ أُسْبُوعًا يَقْتُلُونَ فِيهِ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْتَمَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمِحْرَابِ دَاوُدَ، فَاعْتَصَمُوا بِهِ، وَقَاتَلُوا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَبَذَلَ لَهُمُ الْفِرِنْجُ الْأَمَانَ، فَسَلَّمُوهُ إِلَيْهِمْ، وَوَفَّى لَهُمُ الْفِرِنْجُ، وَخَرَجُوا لَيْلًا إِلَى عَسْقَلَانَ فَأَقَامُوا بِهَا.

وَقَتَلَ الْفِرِنْجُ، بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، مَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا، مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعُلَمَائِهِمْ، وَعُبَّادِهِمْ، وَزُهَّادِهِمْ، مِمَّنْ فَارَقَ الْأَوْطَانَ وَجَاوَرَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ الشَّرِيفِ، وَأَخَذُوا مِنْ عِنْدِ الصَّخْرَةِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ قِنْدِيلًا مِنَ الْفِضَّةِ، وَزْنُ كُلِّ قِنْدِيلٍ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخَذُوا مِنَ الْقَنَادِيلِ الصِّغَارِ مِائَةً وَخَمْسِينَ قِنْدِيلًا نُقْرَةً، وَمِنَ الذَّهَبِ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ قِنْدِيلًا، وَغَنِمُوا مِنْهُ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْإِحْصَاءُ.

وَوَرَدَ الْمُسْتَنْفِرُونَ مِنَ الشَّامِ، فِي رَمَضَانَ، إِلَى بَغَدَاذَ صُحْبَةُ الْقَاضِي أَبِي سَعْدٍ الْهَرَوِيِّ، فَأَوْرَدُوا فِي الدِّيوَانِ كَلَامًا أَبْكَى الْعُيُونَ، وَأَوْجَعَ الْقُلُوبَ، وَقَامُوا بِالْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَاسْتَغَاثُوا، وَبَكَوْا وَأَبْكَوْا، وَذُكِرَ مَا دَهَمَ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ الْبَلَدِ الشَّرِيفِ الْمُعَظَّمِ مِنْ قَتْلِ الرِّجَالِ، وَسَبْيِ الْحَرِيمِ وَالْأَوْلَادِ، وَنَهْبِ الْأَمْوَالِ، فَلِشِدَّةِ مَا أَصَابَهُمْ أَفْطَرُوا، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَسِيرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّامَغَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّنْجَانِيُّ، وَأَبُو الْوَفَا بْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو سَعْدٍ الْحُلْوَانِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ سِمَاكٍ، فَسَارُوا إِلَى حُلْوَانَ، فَبَلَغَهُمْ قَتْلُ مَجْدِ الْمُلْكِ الْبَلَاسَانِيِّ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، فَعَادُوا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>