للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ زُهَيْرُ بْنُ جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَطِيعَةَ بْنِ عَبْسٍ الْعَبْسِيُّ، وَهُوَ وَالِدُ قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ صَاحِبِ حَرْبِ دَاحِسَ وَالْغَبْرَاءِ، سَيِّدُ قَيْسِ عَيْلَانَ، فَتَزَوَّجَ إِلَيْهِ مَلِكُ الْحِيرَةِ، وَهُوَ النُّعْمَانُ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ جَدُّ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ لِشَرَفِهِ وَسُؤْدُدِهِ، فَأَرْسَلَ النُّعْمَانُ إِلَى زُهَيْرٍ يَسْتَزِيرُهُ بَعْضَ أَوْلَادِهِ، فَأَرْسَلَ ابْنَهُ شَأْسًا فَكَانَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ، فَأَكْرَمَهُ وَحَبَاهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى أَبِيهِ كَسَاهُ حُلَلًا وَأَعْطَاهُ مَالًا طَيِّبًا. فَخَرَجَ شَأْسٌ يُرِيدُ قَوْمَهُ فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِ غَنِيِّ بْنِ أَعْصَرَ فَقَتَلَهُ رَبَاحُ بْنُ الْأَشَلِّ الْغَنَوِيُّ، وَأَخَذَ مَا كَانَ مَعَهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ.

وَقِيلَ لِزُهَيْرٍ: إِنَّ شَأْسًا أَقْبَلَ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ وَكَانَ آخِرُ الْعَهْدِ بِهِ بِمَاءٍ مِنْ مِيَاهِ غَنِيٍّ. فَسَارَ زُهَيْرٌ إِلَى دِيَارِ غَنِيٍّ، وَهُمْ حُلَفَاءُ فِي بَنِي عَامِرِ ابْنِ صَعْصَعَةَ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، فَسَأَلَهُمْ عَنِ ابْنِهِ، فَحَلَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا خَبَرَهُ، قَالَ: لَكِنِّي أَعْلَمُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَامِرٍ: فَمَا الَّذِي يُرْضِيكَ مِنَّا؟ قَالَ: وَاحِدَةٌ مِنْ ثَلَاثٍ: إِمَّا تُحْيُونَ وَلَدِي، وَإِمَّا تُسْلِمُونَ إِلَيَّ غَنِيًّا حَتَّى أَقْتُلَهُمْ بِوَلَدِي، وَإِمَّا الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَا بَقِينَا وَبَقِيتُمْ. فَقَالُوا: مَا جَعَلْتَ لَنَا فِي هَذِهِ مَخْرَجًا، أَمَّا إِحْيَاءُ وَلَدِكَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ، وَأَمَّا تَسْلِيمُ غَنِيٍّ إِلَيْكَ فَهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ الْأَحْرَارُ، وَأَمَّا الْحَرْبُ بَيْنَنَا فَوَاللَّهِ إِنَّنَا لَنُحِبُّ رِضَاكَ وَنَكْرَهُ سُخْطَكَ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شِئْتَ تَطْلُبُ قَاتِلَ ابْنِكَ فَنُسَلِّمُهُ إِلَيْكَ، أَوْ تَهَبُ دَمَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضِيعُ فِي الْقَرَابَةِ وَالْجِوَارِ. فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ إِلَّا مَا ذَكَرْتُ. فَلَمَّا رَأَى خَالِدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ كُلَابٍ تَعَدِّيَ زُهَيْرٍ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ غَنِيٍّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ تَعَدِّيَ رَجُلٍ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ زُهَيْرٌ: فَهَلْ لَكَ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتِي عِنْدَكَ وَأَتْرُكُ غَنِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَانْصَرَفَ زُهَيْرٌ وَهُوَ يَقُولُ:

فَلَوْلَا كُلَابٌ قَدْ أَخَذْتُ قَرِينَتِي ... بِرَدٍّ غَنِيٍّ أَعْبُدًا وَمَوَالِيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>