للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ حَمَتْهُمْ عُصْبَةٌ عَامِرِيَّةٌ

يَهُزُّونَ فِي الْأَرْضِ الْقِصَارَ الْعَوَالِيَا ... مَسَاعِيرُ فِي الْهَيْجَا مَصَالِيتُ فِي الْوَغَى

أَخُوهُمْ عَزِيزٌ لَا يَخَافُ الْأَعَادِيَا ... يُقِيمُونَ فِي دَارِ الْحِفَاظِ تَكَرُّمًا

إِذَا مَا فَنِيَ الْقَوْمُ أَضْحَتْ خَوَالِيَا

ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ امْرَأَةً وَأَمَرَهَا أَنْ تَكْتُمَ نَسَبَهَا وَأَعْطَاهَا لَحْمَ جَزُورٍ سَمِينَةٍ وَسَيَّرَهَا إِلَى غَنِيٍّ لِتَبِيعَ اللَّحْمَ بِطِيبٍ وَتَسْأَلَ عَنْ حَالِ وَلَدِهِ. فَانْطَلَقَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى غَنِيٍّ وَفَعَلَتْ مَا أَمَرَهَا، فَانْتَهَتْ إِلَى امْرَأَةِ رَبَاحِ بْنِ الْأَشَلِّ وَقَالَتْ لَهَا: قَدْ زَوَّجْتُ بِنْتًا لِي وَأَبْغِي الطِّيبَ بِهَذَا اللَّحْمِ، فَأَعْطَتْهَا طِيبًا وَحَدَّثَتْهَا بِقَتْلِ زَوْجِهَا شَأْسًا. فَعَادَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى زُهَيْرٍ وَأَخْبَرَتْهُ، فَجَمَعَ خَيْلَهُ وَجَعَلَ يُغِيرُ عَلَى غَنِيٍّ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ بَنِي عَبْسٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَعَظُمَ الشَّرُّ.

ثُمَّ إِنَّ زُهَيْرًا خَرَجَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَى عُكَاظٍ، فَالْتَقَى هُوَ وَخَالِدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ كُلَابٍ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: لَقَدْ طَالَ شَرُّنَا مِنْكَ يَا زُهَيْرُ! فَقَالَ زُهَيْرٌ: أَمَا وَاللَّهِ مَا دَامَتْ لِي قُوَّةٌ أُدْرِكُ بِهَا ثَأْرًا فَلَا انْصِرَامَ لَهُ.

وَكَانَتْ هَوَازِنُ تُؤْتِي زُهَيْرَ بْنَ جَذِيمَةَ الْإِتَاوَةَ كُلَّ سَنَةٍ بِعُكَاظٍ، وَهُوَ يَسُومُهَا الْخَسْفَ، وَفِي أَنْفُسِهَا مِنْهُ غَيْظٌ وَحِقْدٌ، ثُمَّ عَادَ خَالِدٌ وَزُهَيْرٌ إِلَى قَوْمِهِمَا، فَسَبَقَ خَالِدٌ إِلَى بِلَادِ هَوَازِنَ فَجَمَعَ إِلَيْهِ قَوْمَهُ وَنَدَبَهُمْ إِلَى قِتَالِ زُهَيْرٍ، فَأَجَابُوهُ وَتَأَهَّبُوا لِلْحَرْبِ وَخَرَجُوا يُرِيدُونَ زُهَيْرًا وَهُمْ عَلَى طَرِيقِهِ، وَسَارَ زُهَيْرٌ حَتَّى نَزَلَ عَلَى أَطْرَافِ بِلَادِ هَوَازِنَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ قَيْسٌ: انْجُ بِنَا مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ فَإِنَّا قَرِيبٌ مِنْ عَدُوِّنَا. فَقَالَ لَهُ: يَا عَاجِزٌ وَمَا الَّذِي تُخَوِّفُنِي بِهِ مِنْ هَوَازِنَ وَتَتَّقِي شَرَّهَا؟ فَأَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا. فَقَالَ ابْنُهُ: دَعْ عَنْكَ اللَّجَاجَ وَأَطِعْنِي وَسِرْ بِنَا، فَإِنِّي خَائِفٌ عَادِيَتَهُمْ.

وَكَانَتْ تُمَاضِرُ بِنْتُ الشَّرِيدِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ عُصَيَّةَ السُّلَمِيَّةُ أُمَّ وَلَدِ زُهَيْرٍ، وَقَدْ أَصَابَ بَعْضُ إِخْوَتِهَا دَمًا فَلَحِقَ بِبَنِي عَامِرٍ، وَكَانَ فِيهِمْ، فَأَرْسَلَهُ خَالِدٌ عَيْنًا لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ زُهَيْرٍ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَاهُمْ فِي مَنْزِلِهِمْ، فَعَلِمَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ حَالَهُ، وَأَرَادَ هُوَ وَأَبُوهُ أَنْ يُوثِقُوهُ وَيَأْخُذُوهُ مَعَهُمْ إِلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ أَرْضِ هَوَازِنَ، فَمَنَعَتْ أُخْتُهُ، فَأَخَذُوا عَلَيْهِ الْعُهُودَ

<<  <  ج: ص:  >  >>