أَلَّا يُخْبِرَ بِهِمْ وَأَطْلَقُوهُ، فَسَارَ إِلَى خَالِدٍ وَوَقَفَ إِلَى شَجَرَةٍ يُخْبِرُهَا الْخَبَرَ، فَرَكِبَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى زُهَيْرٍ، وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْهُمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَالْتَقَى خَالِدٌ وَزُهَيْرٌ فَاقْتَتَلَا طَوِيلًا ثُمَّ تَعَانَقَا فَسَقَطَا عَلَى الْأَرْضِ، وَشَدَّ وَرْقَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ عَلَى خَالِدٍ وَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا لِأَنَّهُ قَدْ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَحَمَلَ جُنْدُحُ بْنُ الْبَكَّاءِ، وَهُوَ ابْنُ امْرَأَةِ خَالِدٍ، عَلَى زُهَيْرٍ فَقَتَلَهُ، وَهُوَ وَخَالِدٌ يَعْتَرِكَانِ، فَثَارَ خَالِدٌ عَنْهُ وَعَادَتْ هَوَازِنُ إِلَى مَنَازِلِهَا، وَحَمَلَ بَنُو زُهَيْرٍ أَبَاهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ، فَقَالَ وَرْقَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي ذَلِكَ:
رَأَيْتُ زُهَيْرًا تَحْتَ كَلْكَلِ خَالِدٍ ... فَأَقْبَلْتُ أَسْعَى كَالْعَجُولِ أُبَادِرُ
إِلَى بَطَلَيْنِ يَعْتِرَانِ كِلَاهُمَا ... يُرِيدُ رِيَاشَ السَّيْفِ وَالسَّيْفُ نَادِرُ
فَشُلَّتْ يَمِينِي يَوْمَ أَضْرِبُ خَالِدًا ... وَيَمْنَعُهُ مِنِّي الْحَدِيدُ الْمُظَاهِرُ
فَيَا لَيْتَ أَنِّي قَبْلَ أَيَّامِ خَالِدٍ ... وَقَبْلَ زُهَيْرٍ لَمْ تَلِدْنِي تُمَاضِرُ
لَعَمْرِي لَقَدْ بُشِّرْتِ بِي إِذْ وَلَدْتِنِي ... فَمَاذَا الَّذِي رَدَّتْ عَلَيْكِ الْبَشَائِرُ؟
فَلَا يَدْعُنِي قَوْمِي صَرِيحًا بِحُرَّةٍ ... لَئِنْ كُنْتُ مَقْتُولًا وَيَسْلَمُ عَامِرُ
فَطِرْ خَالِدٌ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ طَيْرَةً ... وَلَا تَقَعَنْ إِلَّا وَقَلْبُكَ حَاذِرُ
أَتَتْكَ الْمَنَايَا إِنْ بَقِيتَ بِضَرْبَةٍ ... تُفَارِقُ مِنْهَا الْعَيْشَ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
وَقَالَ خَالِدٌ يَمُنُّ عَلَى هَوَازِنَ بِقَتْلِهِ زُهَيْرًا:
أَبْلِغْ هَوَازِنَ كَيْفَ تَكْفُرُ بَعْدَمَا ... أَعْتَقْتُهُمْ فَتَوَالَدُوا أَحْرَارَا
وَقَتَلْتُ رَبَّهُمُ زُهَيْرًا بَعْدَمَا ... جَدَعَ الْأُنُوفَ وَأَكْثَرَ الْأَوْتَارَا
وَجَعَلْتُ مَهْرَ نِسَائِهِمْ وَدِيَاتِهِمْ ... عَقْلَ الْمُلُوكِ هَجَائِنًا وَبِكَارَا
وَكَانَ زُهَيْرٌ سَيِّدَ غَطَفَانَ، فَعَلِمَ خَالِدٌ أَنَّ غَطَفَانَ سَتَطْلُبُهُ بِسَيِّدِهَا، فَسَارَ إِلَى