النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بِالْحِيرَةِ فَاسْتَجَارَهُ، فَأَجَارَهُ. فَضَرَبَ لَهُ قُبَّةً، وَجَمَعَ بَنُو زُهَيْرٍ لِهَوَازِنَ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ الْمُرِّيُّ: اكْفُونِي حَرْبَ هَوَازِنَ فَأَنَا أَكْفِيكُمْ خَالِدَ بْنَ جَعْفَرٍ.
وَسَارَ الْحَارِثُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى النُّعْمَانِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ خَالِدٌ، وَهُمَا يَأْكُلَانِ تَمْرًا، فَأَقْبَلَ النُّعْمَانُ يُسَائِلُهُ، فَحَسَدَهُ خَالِدٌ، فَقَالَ لِلنُّعْمَانِ: أَبَيْتَ اللَّعْنَ! هَذَا رَجُلٌ لِي عِنْدَهُ يَدٌ عَظِيمَةٌ، قَتَلْتُ زُهَيْرًا وَهُوَ سَيِّدُ غَطَفَانَ فَصَارَ هُوَ سَيِّدَهَا. فَقَالَ الْحَارِثُ: سَأَجْزِيكَ عَلَى يَدِكَ عِنْدِي، وَجَعَلَ الْحَارِثُ يَتَنَاوَلُ التَّمْرَ لِيَأْكُلَهُ فَيَقَعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ مِنَ الْغَضَبِ، فَقَالَ عُرْوَةُ لِأَخِيهِ خَالِدٍ: مَا أَرَدْتَ بِكَلَامِهِ وَقَدْ عَرَفْتَهُ فَتَّاكًا؟ فَقَالَ خَالِدٌ: وَمَا يُخَوِّفُنِي مِنْهُ؟ فَوَاللَّهِ لَوْ رَآنِي نَائِمًا مَا أَيْقَظَنِي.
ثُمَّ خَرَجَ خَالِدٌ وَأَخُوهُ إِلَى قُبَّتِهِمَا فَشَرَجَاهَا عَلَيْهِمَا، وَنَامَ خَالِدٌ وَعُرْوَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَحْرُسُهُ، فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ انْطَلَقَ الْحَارِثُ إِلَى خَالِدٍ فَقَطَعَ شَرَجَ الْقُبَّةِ وَدَخَلَهَا وَقَالَ لِعُرْوَةَ: لَئِنْ تَكَلَّمْتَ قَتَلْتُكَ! ثُمَّ أَيْقَظَ خَالِدًا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ: أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: أَنْتَ الْحَارِثُ. قَالَ: خُذْ جَزَاءَ يَدِكَ عِنْدِي! وَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ الْمَعْلُوبِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْقُبَّةِ وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَسَارَ.
وَخَرَجَ عُرْوَةُ مِنَ الْقُبَّةِ يَسْتَغِيثُ وَأَتَى بَابَ النُّعْمَانِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَبَثَّ الرِّجَالَ فِي طَلَبِ الْحَارِثِ.
قَالَ الْحَارِثُ: فَلَمَّا سِرْتُ قَلِيلًا خِفْتُ أَنْ أَكُونَ لَمْ أَقْتُلْهُ فَعُدْتُ مُتَنَكِّرًا وَاخْتَلَطْتُ بِالنَّاسِ وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى تَيَقَّنْتُ أَنَّهُ مَقْتُولٌ وَعُدْتُ فَلَحِقْتُ بِقَوْمِي، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْدَةَ الْكُلَابِيُّ:
يَا حَارِ لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهُ ... لَا طَائِشًا رَعِشًا وَلَا مِعْزَالَا
شَقَّتْ عَلَيْهِ الْجَعْفَرِيَّةُ جَيْبَهَا ... جَزَعًا وَمَا تَبْكِي هُنَاكَ ضَلَالَا
فَانْعُوا أَبَا بَحْرٍ بِكُلِّ مُجَرَّبٍ ... حَرَّانَ يُحْسَبُ فِي الْقَنَاةِ هِلَالَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute