فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَتَحَ تَمِيمُ بْنُ الْمُعِزِّ مَدِينَةَ سَفَاقُسَ، وَكَانَ صَاحِبُهَا حَمُّو قَدْ عَادَ فَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا، وَاشْتَدَّ أَمْرُهُ بِوَزِيرٍ كَانَ عِنْدَهُ قَدْ قَصَدَهُ، وَهُوَ مِنْ كُتَّابِ الْمُعِزِّ، كَانَ حَسَنَ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ، فَاسْتَقَامَتْ بِهِ دَوْلَتُهُ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ تَمِيمٌ يَطْلُبُهُ لِيَسْتَخْدِمَهُ، وَوَعَدَهُ، وَبَالَغَ فِي اسْتِمَالَتِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، فَسَيَّرَ تَمِيمٌ جَيْشًا إِلَى حِصَارِ سَفَاقُسَ، وَأَمَرَ الْأَمِيرَ الَّذِي جَعَلَهُ مُقَدَّمَ الْجَيْشِ أَنْ يَهْدِمَ مَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيُحْرِقَهُ، وَيَقْطَعَ الْأَشْجَارَ سِوَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْوَزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، وَيُبَالِغُ فِي صِيَانَتِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى حَمُّو مَا فُعِلَ بِأَمْلَاكِ النَّاسِ، مَا عَدَا الْوَزِيرَ، اتَّهَمَهُ، فَقَتَلَهُ، فَانْحَلَّ نِظَامُ دَوْلَتِهِ، وَتَسَلَّمَ عَسْكَرُ تَمِيمٍ الْمَدِينَةَ، وَخَرَجَ حَمُّو مِنْهَا، وَقَصَدَ مَكْنَ بْنَ كَامِلٍ الدَّهْمَانِيَّ فَأَقَامَ عِنْدَهُ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ.
ذِكْرُ عَزْلِ عَمِيدِ الدَّوْلَةِ مِنْ وِزَارَةِ الْخَلِيفَةِ وَوَفَاتِهِ
لَمَّا أَطْلَقَ مُؤَيَّدُ الدَّوْلَةِ، وَزِيرُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، الْأَعَزَّ أَبَا الْمَحَاسِنِ، وَزِيرَ بَرْكِيَارُقَ، وَضَمَّنَهُ عِمَادَةَ بَغْدَاذَ، أَمَرَ أَنْ يُخَاطِبَ الْخَلِيفَةَ بِعَزْلِ وَزِيرِهِ عَمِيدِ الدَّوْلَةِ بْنِ جَهِيرٍ، فَسَارَ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَسَمِعَ عَمِيدُ الدَّوْلَةِ الْخَبَرَ، فَأَمَرَ أَصْبَهْبَذَ صَبَاوَةَ بْنَ خُمَارْتِكِينْ بِالْخُرُوجِ إِلَى طَرِيقِ الْأَعَزِّ وَقَتْلِهِ.
وَكَانَ أَصْبَهْبَذُ قَدْ حَضَرَ الْحَرْبَ مَعَ بَرْكِيَارُقَ، وَلَمَّا انْهَزَمَ الْعَسْكَرُ قَصَدَ بَغْدَاذَ، فَخَرَجَ إِلَى طَرِيقِ الْأَعَزِّ أَبِي الْمَحَاسِنِ، فَلَقِيَهُ قَرِيبًا مِنْ بَعْقُوبَا، فَأَوْقَعَ بِمَنْ مَعَهُ، وَالْتَجَأَ الْأَعَزُّ إِلَى الْقَرْيَةِ وَاحْتَمَى، فَلَمَّا رَأَى أَصْبَهْبَذُ صَبَاوَةُ ذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكَ وَزِيرُ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، وَأَنَا مَمْلُوكُهُ، فَإِنْ كُنْتَ عَلَى خِدْمَتِهِ فَاخْرُجْ إِلَيْنَا حَتَّى نَسِيرَ إِلَى بَغْدَاذَ وَنُقِيمَ الْخُطْبَةَ لِلسُّلْطَانِ، وَأَنْتَ الصَّاحِبُ الَّذِي لَا يُخَالَفُ، وَإِنْ لَمْ تُجِبْ إِلَى هَذَا، فَمَا بَيْنَنَا غَيْرُ السَّيْفِ. فَأَجَابَهُ الْأَعَزُّ إِلَى ذَلِكَ، وَاجْتَمَعَا، فَعَرَّفَهُ صَبَاوَةُ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ عَمِيدُ الدَّوْلَةِ مِنْ قَتْلِهِ، وَبَاتَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَأَرْسَلَ الْأَعَزُّ إِلَى الْأَمِيرِ إِيلْغَازِي بْنِ أُرْتُقَ، وَكَانَ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute