وَرَدَ فِي صُحْبَتِهِ، وَفَارَقَهُ نَحْوَ الرَّاذَنِ، فَحَضَرَ فِي اللَّيْلِ، فَانْقَطَعَ حِينَئِذٍ أَمَلُ صَبَاوَةَ مِنْهُ، وَفَارَقَهُ.
وَسَارَ الْأَعَزُّ إِلَى بَغْدَاذَ وَخَاطَبَ فِي عَزْلِ عَمِيدِ الدَّوْلَةِ، فَعُزِلَ فِي رَمَضَانَ، وَأُخِذَ مِنْ مَالِهِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقُبِضَ عَلَيْهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، وَبَقِيَ مَعْزُولًا إِلَى سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ، فَتُوُفِّيَ مَحْبُوسًا فِي دَارِ الْخِلَافَةِ، وَمَوْلِدُهُ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ عَاقِلًا، كَرِيمًا، حَلِيمًا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَظِيمَ الْكِبْرِ، يَكَادُ يَعُدُّ كَلَامَهُ عَدًّا، وَكَانَ إِذَا كَلَّمَ إِنْسَانًا كَلِمَاتٍ يَسِيرَةً هُنِّئَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِكَلَامِهِ.
ذِكْرُ ظَفَرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْفِرِنْجِ
فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ لَقِيَ كُمُشْتِكِينْ بْنُ الدَّانِشْمَنْدِ طَايْلُو، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ابْنُ الدَّانِشْمَنْدِ لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ مُعَلِّمًا لِلتُّرْكُمَانِ وَتَقَلَّبَتْ بِهِ الْأَحْوَالُ، حَتَّى مَلَكَ، وَهُوَ صَاحِبُ مَلَطْيَةَ وَسِيوَاسَ وَغَيْرِهِمَا، بِيمُنْدُ الْفِرِنْجِيُّ، وَهُوَ مِنْ مُقَدَّمِي الْفِرِنْجِ، قَرِيبَ مَلَطْيَةَ، وَكَانَ صَاحِبُهَا قَدْ كَاتَبَهُ، وَاسْتَقْدَمَهُ إِلَيْهِ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ، فَلَقِيَهُمُ ابْنُ الدَّانِشْمَنْدِ، فَانْهَزَمَ بِيمُنْدُ وَأُسِرَ.
ثُمَّ وَصَلَ مِنَ الْبَحْرِ سَبْعَةُ قَمَامِصَةٍ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَأَرَادُوا تَخْلِيصَ بِيمُنْدَ، فَأَتَوْا إِلَى قَلْعَةٍ تُسَمَّى أَنْكُورِيَّةَ، فَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا مَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَارُوا إِلَى قَلْعَةٍ أُخْرَى فِيهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الدَّانِشْمَنْدِ، وَحَصَرُوهَا، فَجَمَعَ ابْنُ الدَّانِشْمَنْدِ جَمْعًا كَثِيرًا، وَلَقِيَ الْفِرِنْجَ، وَجَعَلَ لَهُ كَمِينًا، وَقَاتَلَهُمْ، وَخَرَجَ الْكَمِينُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ أَحَدٌ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفٍ، غَيْرَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ هَرَبُوا لَيْلًا وَأَفْلَتُوا مَجْرُوحِينَ.
وَسَارَ الدَّانِشْمَنْدِ إِلَى مَلَطْيَةَ، فَمَلَكَهَا وَأَسَرَ صَاحِبَهَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِ عَسْكَرُ الْفِرِنْجِ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ، فَلَقِيَهُمْ وَكَسَرَهُمْ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقَائِعُ فِي شُهُورٍ قَرِيبَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute