مَنْصُورٍ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ صُلَيْحَةَ، قَاضِي جَبَلَةَ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ وَصَاحِبُهَا، مُنْهَزِمًا مِنَ الْفِرِنْجِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَمَعَهُ أَمْوَالٌ جَلِيلَةُ الْمِقْدَارِ، فَأَخَذُوهَا مِنْهُ.
ذِكْرُ خِلَافِ صَدَقَةَ بْنِ مَزْيَدٍ عَلَى بَرْكِيَارُقَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ الْأَمِيرُ صَدَقَةُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ، صَاحِبُ الْحِلَّةِ، عَنْ طَاعَةِ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، وَقَطَعَ خُطْبَتَهُ مِنْ بِلَادِهِ، وَخَطَبَ فِيهَا لِلسُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَزِيرَ الْأَعَزَّ أَبَا الْمَحَاسِنِ الدِّهِسْتَانِيَّ، وَزِيرَ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، أَرْسَلَ إِلَى صَدَقَةَ يَقُولُ لَهُ: قَدْ تَخَلَّفَ عِنْدَكَ لِخِزَانَةِ السُّلْطَانِ أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَذَا وَكَذَا دِينَارًا لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، فَإِنْ أَرْسَلْتَهَا، وَإِلَّا سَيَّرْنَا الْعَسَاكِرَ إِلَى بِلَادِكَ وَأَخَذْنَاهَا مِنْكَ. فَلَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ قَطَعَ الْخُطْبَةَ، وَخَطَبَ لِمُحَمَّدٍ.
فَلَمَّا وَصَلَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ إِلَى بَغْدَاذَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْحُضُورِ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْأَمِيرَ إِيَازَ يُشِيرُ بِقَصْدِ خِدْمَةِ السُّلْطَانِ، وَيَضْمَنُ لَهُ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ، فَقَالَ: لَا أَحْضُرُ، وَلَا أُطِيعُ السُّلْطَانَ، إِلَّا إِذَا سَلَّمَ وَزِيرَهُ أَبَا الْمَحَاسِنِ إِلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَتَصَوَّرُ مِنِّي الْحُضُورَ عِنْدَهُ أَبَدًا، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مَا يَكُونُ، فَإِنْ سَلَّمَهُ إِلَيَّ، فَأَنَا الْعَبْدُ الْمُخْلِصُ فِي الْعُبُودِيَّةِ بِالْحُسْنِ وَالطَّاعَةِ، فَلَمْ يُجَبْ إِلَى ذَلِكَ، فَتَمَّ عَلَى مُقَاطَعَتِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَطَرَدَ عَنْهَا النَّائِبَ بِهَا عَنِ السُّلْطَانِ وَاسْتَضَافَهَا إِلَيْهِ.
ذِكْرُ وُصُولِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ إِلَى بَغْدَاذَ وَرَحِيلِ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقُ عَنْهَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ [مِنْ] ذِي الْحِجَّةِ، وَصَلَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ وَسَنْجَرُ إِلَى بَغْدَاذَ، وَكَانَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى هَمَذَانَ وَغَيْرِهَا سَارَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى حُلْوَانَ سَارَ إِلَيْهِ إِيلْغَازِي بْنُ أُرْتُقَ فِي عَسَاكِرِهِ، وَخَدَمَهُ، وَأَحْسَنَ فِي الْخِدْمَةِ، وَكَانَ عَسْكَرُ مُحَمَّدٍ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ سِوَى الْأَتْبَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute