للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُطَالِبُونَهُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَنُرِيدُ مِنْكَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَتَكُونُ لَهُ مِنَّةٌ عَظِيمَةٌ، تَسْتَحِقُّ بِهَا الْمُكَافَأَةَ وَالشُّكْرَ. فَقَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَلَمْ يَطْلُبْ أَنْ يَحُطَّ شَيْئًا، وَقَالَ: إِنَّ رَحْلِي وَمَالِي فِي الْأَنْبَارِ بِالدَّارِ الَّتِي نَزَلْتُهَا، فَأَرْسَلَ الْوَزِيرُ إِلَيْهَا جَمَاعَةً، فَوَجَدُوا فِيهَا مَالًا كَثِيرًا، وَأَعْلَاقًا نَفِيسَةً، فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَةُ قِطْعَةِ مَصَاغٍ عَجِيبِ الصَّنْعَةِ، وَمِنَ الْمَلَابِسِ وَالْعَمَائِمِ الَّتِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ.

كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَذْكُرَ هَذِهِ الْحَوَادِثَ الَّتِي بَعْدَ انْهِزَامِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ إِلَى هَاهُنَا، بَعْدَ قَتْلِ الْبَاطِنِيَّةِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَوَاخِرَ السَّنَةِ، وَكَانَ قَتْلُهُمْ فِي شَعْبَانَ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَاهَا لِنُتْبِعَ بَعْضَ الْحَادِثَةِ بَعْضًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا شَيْءٌ.

وَأَمَّا تَاجُ الْمُلُوكِ بُورِي، فَإِنَّهُ لَمَّا مَلَكَ جَبَلَةَ، وَتَمَكَّنَ مِنْهَا، أَسَاءَ السِّيرَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَعَ أَهْلِهَا، وَفَعَلُوا بِهِمْ أَفْعَالًا أَنْكَرُوهَا، فَرَاسَلُوا الْقَاضِيَ فَخْرَ الْمُلْكِ أَبَا عَلِيٍّ عَمَّارَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، صَاحِبَ طَرَابُلُسَ، وَشَكَوْا إِلَيْهِ مَا يَفْعَلُ بِهِمْ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بَعْضَ أَصْحَابِهِ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَلَدَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ عَسْكَرًا، فَدَخَلُوا جَبَلَةَ، وَاجْتَمَعُوا بِأَهْلِهَا، وَقَاتَلُوا تَاجَ الْمُلُوكِ وَمَنْ مَعَهُ، فَانْهَزَمَ الْأَتْرَاكُ، وَمَلَكَ عَسْكَرُ ابْنِ عَمَّارٍ جَبَلَةَ، وَأَخَذُوا تَاجَ الْمُلُوكِ أَسِيرًا، وَحَمَلُوهُ إِلَى طَرَابُلُسَ، فَأَكْرَمَهُ ابْنُ عَمَّارٍ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَسَيَّرَهُ إِلَى أَبِيهِ بِدِمَشْقَ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَعَرَّفَهُ صُورَةَ الْحَالِ، وَأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَمْلِكَ الْفِرِنْجُ جَبَلَةَ.

ذِكْرُ قَتْلِ الْبَاطِنِيَّةِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَعْبَانَ، أَمَرَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ بِقَتْلِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَهُمُ الْإِسْمَاعِلِيَّةُ وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا قَدِيمًا يُسَمَّوْنَ قَرَامِطَةَ، وَنَحْنُ نَبْتَدِئُ بِأَوَّلِ أَمْرِهِمُ الْآنَ ثُمَّ بِسَبَبِ قَتْلِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>