للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَقِيَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَا مُطَاعًا إِلَى أَنْ جَاءَ الْفِرِنْجُ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، فَحَصَرُوهَا، فَأَظْهَرَ أَنَّ السُّلْطَانَ بَرْكِيَارُقَ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الشَّامِ، وَشَاعَ هَذَا، فَرَحَلَ الْفِرِنْجُ، فَلَمَّا تَحَقَّقُوا اشْتِغَالَ السُّلْطَانِ عَنْهُمْ عَاوَدُوا حِصَارَهُ، فَأَظْهَرَ أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ قَدْ تَوَجَّهُوا لِحَرْبِهِمْ، فَرَحَلُوا ثَانِيًا، ثُمَّ عَادُوا، فَقَرَّرَ مَعَ النَّصَارَى الَّذِينَ بِهَا أَنْ يُرَاسِلُوا الْفِرِنْجَ، وَيُوَاعِدُوهُمْ إِلَى بُرْجٍ مِنْ أَبْرَاجِ الْبَلَدِ لِيُسَلِّمُوهُ إِلَيْهِمْ وَيَمْلِكُوا الْبَلَدَ، فَلَمَّا أَتَتْهُمُ الرِّسَالَةُ جَهَّزُوا نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ وَشُجْعَانِهِمْ، فَتَقَدَّمُوا إِلَى ذَلِكَ الْبُرْجِ فَلَمْ يَزَالُوا يَرْقَوْنَ فِي الْجِبَالِ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَكُلَّمَا صَارَ عِنْدَ ابْنِ صُلَيْحَةَ، وَهُوَ عَلَى السُّورِ، رَجُلٌ مِنْهُمْ قَتَلَهُ إِلَى أَنْ قَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَمَى الرُّءُوسَ إِلَيْهِمْ فَرَحَلُوا عَنْهُ.

وَحَصَرُوهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَنَصَبُوا عَلَى الْبَلَدِ بُرْجَ خَشَبٍ، وَهَدَمُوا بُرْجًا مِنْ أَبْرَاجِهِ، وَأَصْبَحُوا وَقَدْ بَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، ثُمَّ نَقَّبَ فِي السُّورِ نُقُوبًا، وَخَرَجَ مِنَ الْبَابِ وَقَاتَلَهُمْ، فَانْهَزَمَ مِنْهُمْ، وَتَبِعُوهُ، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ مِنْ تِلْكَ النُّقُوبِ، فَأَتَوُا الْفِرِنْجَ مِنْ ظُهُورِهِمْ، فَوَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ وَأُسِرَ مُقَدَّمُهُمُ الْمَعْرُوفُ بِكُنْدِ اصْطَبْلْ، فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِمَالٍ جَزِيلٍ.

ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَقْعُدُونَ عَنْ طَلَبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَمْنَعُهُمْ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى طُغْتِكِينَ أَتَابِكْ يَلْتَمِسُ مِنْهُ إِنْفَاذَ مَنْ يَثِقُ بِهِ لِيُسَلِّمَ إِلَيْهِ ثَغْرَ جَبَلَةَ، وَيَحْمِيَهُ لِيَصِلَ هُوَ إِلَى دِمَشْقَ بِمَالِهِ وَأَهْلِهِ، فَأَجَابَهُ إِلَى مَا الْتَمَسَ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ وَلَدَهُ تَاجَ الْمُلُوكِ بُورِي، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْبَلَدَ، وَرَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُسَيِّرَهُ إِلَى بَغْدَاذَ، فَفَعَلَ، وَسَيَّرَهُ وَمَعَهُ مَنْ يَحْمِيهِ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى الْأَنْبَارِ.

وَلَمَّا صَارَ بِدِمَشْقَ أَرْسَلَ ابْنُ عَمَّارٍ صَاحِبُ طَرَابُلُسَ إِلَى الْمَلِكِ دُقَاقٍ، وَقَالَ: سَلِّمْ إِلَيَّ ابْنَ صُلَيْحَةَ عُرْيَانًا، وَخُذْ مَالَهُ أَجْمَعَ، وَأَنَا أُعْطِيكَ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْأَنْبَارِ أَقَامَ بِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ سَارَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَبِهَا السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ، فَلَمَّا وَصَلَ أَحْضَرَهُ الْوَزِيرُ الْأَعَزُّ أَبُو الْمَحَاسِنِ عِنْدَهُ، وَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ مُحْتَاجٌ، وَالْعَسَاكِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>