وَكَانَ سَبَبُ قُوَّتِهِمْ بِأَصْبَهَانَ، أَنَّ السُّلْطَانَ بَرْكِيَارُقَ لَمَّا حَصَرَ أَصْبَهَانَ، وَبِهَا أَخُوهُ مَحْمُودٌ، وَأُمُّهُ خَاتُونَ الْجَلَالِيَّةُ، وَعَادَ عَنْهُمْ ظَهَرَتْ مَقَالَةُ الْبَاطِنِيَّةِ بِهَا، وَانْتَشَرَتْ، وَكَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي الْمَحَالِّ، فَاجْتَمَعُوا، وَصَارُوا يَسْرِقُونَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ مُخَالِفِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ، فَعَلُوا هَذَا بِخَلْقٍ كَثِيرٍ، وَزَادَ الْأَمْرُ، حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ كَانَ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْ بَيْتِهِ عَنِ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ تَيَقَّنُوا قَتْلَهُ، وَقَعَدُوا لِلْعَزَاءِ بِهِ، فَحَذِرَ النَّاسُ، وَصَارُوا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدٌ، وَأَخَذُوا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ مُؤَذِّنًا، أَخَذَهُ جَارٌ لَهُ بَاطِنِيٌّ، فَقَامَ أَهْلُهُ لِلنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ، فَأَصْعَدَهُ الْبَاطِنِيَّةُ إِلَى سَطْحِ دَارِهِ وَأَرَوْهُ أَهْلَهُ كَيْفَ يَلْطِمُونَ وَيَبْكُونَ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ خَوْفًا مِنْهُمْ.
ذِكْرُ مَا فَعَلَ بِهِمُ الْعَامَّةُ بِأَصْبَهَانَ
لَمَّا عَمَّتْ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ النَّاسَ بِأَصْبَهَانَ، أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَتْكِ أَسْتَارِهِمْ، وَالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، فَاتَّفَقَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ دَارَ صَدِيقٍ لَهُ، فَرَأَى فِيهَا ثِيَابًا، وَمَدَاسَاتٍ وَمَلَابِسَ لَمْ يَعْهَدْهَا، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَتَحَدَّثَ بِمَا كَانَ، فَكَشَفَ النَّاسُ عَنْهَا، فَعَلِمُوا أَنَّهَا مِنَ الْمَقْتُولِينَ.
وَثَارَ النَّاسُ كَافَّةً يَبْحَثُونَ عَمَّنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَيَسْتَكْشِفُونَ، فَظَهَرُوا عَلَى الدُّرُوبِ الَّتِي هُمْ فِيهَا، وَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا اجْتَازَ بِهِمْ إِنْسَانٌ أَخَذُوهُ إِلَى دَارٍ مِنْهُمْ وَقَتَلُوهُ وَأَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ فِي الدَّارِ قَدْ صُنِعَتْ لِذَلِكَ.
وَكَانَ عَلَى بَابِ دَرْبٍ مِنْهَا رَجُلٌ ضَرِيرٌ، فَإِذَا اجْتَازَ بِهِ إِنْسَانٌ يَسْأَلُهُ أَنْ يَقُودَهُ خُطُوَاتٍ إِلَى بَابِ الدَّرْبِ، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ، فَإِذَا دَخَلَ الدَّرْبَ أُخِذَ وَقُتِلَ، فَتَجَرَّدَ لِلِانْتِقَامِ مِنْهُمْ أَبُو الْقَاسِمِ مَسْعُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُجَنْدِيُّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، وَجَمَعَ الْجَمَّ الْغَفِيرَ بِالْأَسْلِحَةِ، وَأَمَرَ بِحَفْرِ أَخَادِيدَ، وَأَوْقَدَ فِيهَا النِّيرَانَ، وَجَعَلَ الْعَامَّةُ يَأْتُونَ بِالْبَاطِنِيَّةِ أَفْوَاجًا وَمُنْفَرِدِينَ، فَيُلْقَوْنَ فِي النَّارِ، وَجَعَلُوا إِنْسَانًا عَلَى أَخَادِيدِ النِّيرَانِ، وَسَمَّوْهُ مَالِكًا، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute