للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ قِلَاعِهِمُ الَّتِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا بِبِلَادِ الْعَجَمِ

وَاسْتَوْلَوْا عَلَى عِدَّةِ حُصُونٍ مِنْهَا قَلْعَةُ أَصْبَهَانَ، وَهَذِهِ الْقَلْعَةُ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا، وَإِنَّمَا بَنَاهَا السُّلْطَانُ مَلِكْشَاهْ.

وَسَبَبُ بِنَائِهَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ مُقَدَّمِي الرُّومِ، فَأَسْلَمَ وَصَارَ مَعَهُ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ سَارَ يَوْمًا إِلَى الصَّيْدِ، فَهَرَبَ مِنْهُ كَلْبٌ حَسَنُ الصَّيْدِ، وَصَعِدَ هَذَا الْجَبَلَ، فَتَبِعَهُ السُّلْطَانُ وَالرُّومِيُّ مَعَهُ، فَوَجَدَهُ مَوْضِعَ الْقَلْعَةِ فَقَالَ لَهُ الرُّومِيُّ: لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا مِثْلَ هَذَا الْجَبَلِ لَجَعَلْنَا عَلَيْهِ حِصْنًا نَنْتَفِعُ بِهِ، فَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْقَلْعَةِ، وَمَنَعَ مِنْهَا نِظَامُ الْمُلْكِ، فَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ، فَلَمَّا فَرَغَتْ جَعَلَ فِيهَا دَزْدَارًا.

فَلَمَّا انْقَضَتْ أَيَّامُ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ، وَصَارَتْ أَصْبَهَانُ بِيَدِ خَاتُونَ أَزَالَتِ الدَّزْدَارَ، وَجَعَلَتْ غَيْرَهُ فِيهَا وَهُوَ إِنْسَانٌ دَيْلَمِيٌّ اسْمُهُ زِيَارُ، فَمَاتَ، وَصَارَ بِالْقَلْعَةِ إِنْسَانٌ خُوزِيٌّ، فَاتَّصَلَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَطَّاشٍ، وَكَانَ الْبَاطِنِيَّةُ قَدْ أَلْبَسُوهُ تَاجًا، وَجَمَعُوا لَهُ مَالًا، وَقَدَّمُوهُ عَلَيْهِمْ مَعَ جَهْلِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَبُوهُ مُقَدَّمًا فِيهِمْ، فَلَمَّا اتَّصَلَ بِالدَّزْدَارِ بَقِيَ مَعَهُ، وَوَثِقَ بِهِ وَقَلَّدَهُ الْأُمُورَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الدَّزْدَارُ اسْتَوْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَطَّاشٍ عَلَيْهَا، وَنَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ ضَرَرٌ عَظِيمٌ مِنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ النُّفُوسِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَالْخَوْفِ الدَّائِمِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ قَلْعَةً يَدُلُّ عَلَيْهَا كَلْبٌ، وَيُشِيرُ بِهَا كَافِرٌ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ خَاتِمَةُ أَمْرِهَا الشَّرَّ.

وَمِنْهَا أَلَمُوتُ، وَهِيَ مِنْ نَوَاحِي قَزْوِينَ، قِيلَ إِنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ الدَّيْلَمِ كَانَ كَثِيرَ التَّصَيُّدِ، فَأَرْسَلَ يَوْمًا عُقَابًا، وَتَبِعَهُ، فَرَآهُ قَدْ سَقَطَ عَلَى مَوْضِعِ هَذِهِ الْقَلْعَةِ، فَوَجَدَهُ مَوْضِعًا حَصِينًا، فَأَمَرَ بِبِنَاءِ قَلْعَةٍ عَلَيْهِ، فَسَمَّاهَا أَلُهْ مُوتَ، وَمَعْنَاهُ بِلِسَانِ الدَّيْلَمِ: تَعْلِيمُ الْعُقَابِ، وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَمَا يُجَاوِرُهُ طَالْقَانَ.

وَفِيهَا قِلَاعٌ حَصِينَةٌ أَشْهَرُهَا أَلَمُوتُ، وَكَانَتْ هَذِهِ النَّوَاحِي فِي ضَمَانِ شَرَفْشَاهْ الْجَعْفَرِيِّ، وَقَدِ اسْتَنَابَ فِيهَا رَجُلًا عَلَوِيًّا، فِيهِ بَلَهٌ وَسَلَامَةُ صَدْرٍ.

وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ رَجُلًا شَهْمًا، كَافِيًا، عَالِمًا بِالْهَنْدَسَةِ، وَالْحِسَابِ، وَالنُّجُومِ، وَالسِّحْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ رَئِيسَ الرَّيِّ إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو مُسْلِمٍ وَهُوَ صِهْرُ نِظَامِ الْمُلْكِ، فَاتَّهَمَ الْحَسَنَ بْنَ الصَّبَّاحِ بِدُخُولِ جَمَاعَةٍ مِنْ دُعَاةِ الْمِصْرِيِّينَ عَلَيْهِ، فَخَافَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>