ابْنُ الصَّبَّاحِ، وَكَانَ نِظَامُ الْمُلْكِ يُكْرِمُهُ، وَقَالَ لَهُ يَوْمًا مِنْ طَرِيقِ الْفِرَاسَةِ: عَنْ قَرِيبٍ يُضِلُّ هَذَا الرَّجُلُ ضُعَفَاءَ الْعَوَامِّ، فَلَمَّا هَرَبَ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ طَلَبَهُ فَلَمْ يُدْرِكْهُ.
وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ تَلَامِيذِهِ ابْنُ عَطَّاشٍ، الطَّبِيبُ الَّذِي مَلَكَ قَلْعَةَ أَصْبَهَانَ، وَمَضَى ابْنُ الصَّبَّاحِ فَطَافَ الْبِلَادَ، وَوَصَلَ إِلَى مِصْرَ، وَدَخَلَ عَلَى الْمُسْتَنْصِرِ صَاحِبِهَا، فَأَكْرَمَهُ، وَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى إِمَامَتِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: فَمَنِ الْإِمَامُ بَعْدَكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى ابْنِهِ نِزَارٍ، وَعَادَ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَدِيَارِ بَكْرٍ، وَالرُّومِ، وَرَجَعَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَدَخَلَ كَاشْغَرَ، وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، يَطُوفُ عَلَى قَوْمٍ يُضِلُّهُمْ، فَلَمَّا رَأَى قَلْعَةَ أَلَمُوتَ، وَاخْتَبَرَ أَهْلَ تِلْكَ النَّوَاحِي، أَقَامَ عِنْدَهُمْ، وَطَمِعَ فِي إِغْوَائِهِمْ، وَدَعَاهُمْ فِي السِّرِّ، وَأَظْهَرَ الزُّهْدَ، وَلَبِسَ الْمِسْحَ، فَتَبِعَهُ أَكْثَرُهُمْ، وَالْعَلَوِيُّ صَاحِبُ الْقَلْعَةِ حَسَنُ الظَّنِّ فِيهِ، يَجْلِسُ إِلَيْهِ يَتَبَرَّكُ بِهِ، فَلَمَّا أَحْكَمَ الْحَسَنُ أَمْرَهُ، دَخَلَ يَوْمًا عَلَى الْعَلَوِيِّ بِالْقَلْعَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الصَّبَّاحِ: اخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْقَلْعَةِ، فَتَبَسَّمَ الْعَلَوِيُّ، وَظَنَّهُ يَمْزَحُ، فَأَمَرَ ابْنُ الصَّبَّاحِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِإِخْرَاجِ الْعَلَوِيِّ، فَأَخْرَجُوهُ إِلَى دَامَغَانَ، وَأَعْطَاهُ مَالَهُ وَمَلَكَ الْقَلْعَةَ.
وَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى نِظَامِ الْمُلْكِ بَعَثَ عَسْكَرًا إِلَى قَلْعَةِ أَلَمُوتَ، فَحَصَرُوهُ فِيهَا، وَأَخَذُوا عَلَيْهِ الطُّرُقَ، فَضَاقَ ذَرْعُهُ بِالْحَصْرِ، فَأَرْسَلَ مَنْ قَتَلَ نِظَامَ الْمُلْكِ، فَلَمَّا قُتِلَ رَجَعَ الْعَسْكَرُ عَنْهَا.
ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ مُحَمَّدَ بْنَ مَلِكْشَاهْ جَهَّزَ نَحْوَهَا الْعَسَاكِرَ، فَحَصَرَهَا، وَسَيَرِدُ ذِكْرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْهَا طَبَسُ، وَبَعْضُ قُهِسْتَانَ، وَكَانَ سَبَبُ مُلْكِهِمْ لَهَا أَنَّ قُهِسْتَانَ كَانَ قَدْ بَقِيَ فِيهَا بَقَايَا مِنْ بَنِي سِيمْجُورَ، أُمَرَاءِ خُرَاسَانَ، أَيَّامَ السَّامَانِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ نَسْلِهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْمُنَوَّرُ، وَكَانَ رَئِيسًا مُطَاعًا عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، فَلَمَّا وَلِيَ كَلْسَارِغُ قُهِسْتَانَ ظَلَمَ النَّاسَ وَعَسَفَهُمْ، وَأَرَادَ أُخْتًا لِلْمُنَوَّرِ بِغَيْرِ حِلٍّ، فَحَمَلَ ذَلِكَ الْمُنَوَّرَ عَلَى أَنِ الْتَجَأَ إِلَى الْإِسْمَاعِلِيَّةِ، وَصَارَ مَعَهُمْ، فَعَظُمَ حَالُهُمْ فِي قُهِسْتَانَ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا خَوْرُ، وَخُوسَفُ، وَزَوْزَنُ، وَقَايِنُ، وُتُونُ وَتِلْكَ الْأَطْرَافُ الْمُجَاوِرَةُ لَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute