السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ عَنْهَا إِلَى وَاسِطَ مَرِيضًا، فَأَقَامَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ بِبَغْدَاذَ إِلَى سَابِعَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَسَارَ عَنْهَا هُوَ وَأَخُوهُ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ عَائِدَيْنِ إِلَى بِلَادِهِمَا، وَسَنْجَرُ يَقْصِدُ خُرَاسَانَ، وَالسُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ يَقْصِدُ هَمَذَانَ. فَلَمَّا سَارَ مُحَمَّدٌ عَنْ بَغْدَاذَ وَصَلَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّ بَرْكِيَارُقَ قَدِ اعْتَرَضَ خَاصَّ الْخَلِيفَةِ بِوَاسِطَ وَسُمِعَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْخَلِيفَةِ مَا يَقْبُحُ نَقْلُهُ، فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ وَأَعَادَ السُّلْطَانَ مُحَمَّدًا إِلَى بَغْدَاذَ، وَذَكَرَ لَهُ مَا نُقِلَ إِلَيْهِ، وَعَزَمَ عَلَى الْحَرَكَةِ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى قِتَالِ بَرْكِيَارُقَ، فَقَالَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ: لَا حَاجَةَ إِلَى حَرَكَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي أَقُومُ فِي هَذَا الْقِيَامَ الْمَرْضِيَّ. وَسَارَ عَائِدًا، وَرَتَّبَ بِبَغْدَاذَ أَبَا الْمَعَالِي الْمُفَضَّلَ بْنَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي جِبَايَةِ الْأَمْوَالِ وَإِيلْغَازِي شِحْنَةً.
وَكَانَ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَاذَ قَدْ خَلَّفَ عَسْكَرَهُ بِطَرِيقِ خُرَاسَانَ، فَنَهَبُوا الْبِلَادَ وَخَرَّبُوهَا، فَأَخَذَهُمُ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ مَعَهُ، وَجَدَّ السَّيْرَ إِلَى رُوذْرَاوَرَ.
وَأَمَّا السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ فَقَدْ تَقَدَّمَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ أَنَّهُ سَارَ مِنْ بَغْدَاذَ عِنْدَ وُصُولِ مُحَمَّدٍ إِلَيْهَا قَاصِدًا إِلَى وَاسِطَ، فَلَمَّا سَمِعَ عَسْكَرُ وَاسِطَ بِقُرْبِهِ مِنْهُمْ، خَافُوا مِنْهُ، وَأَخَذُوا نِسَاءَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَجَمَعُوا السُّفُنَ جَمِيعَهَا، وَانْحَدَرُوا إِلَى الزُّبَيْدِيَّةِ، فَأَقَامُوا هُنَاكَ.
وَوَصَلَ السُّلْطَانُ، وَهُوَ شَدِيدُ الْمَرَضِ، يُحْمَلُ فِي مَحَفَّةٍ، وَقَدْ هَلَكَ مِنْ دَوَابِّ عَسْكَرِهِ وَمَتَاعِهِمُ الْكَثِيرُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجِدُّونَ السَّيْرَ خَوْفًا أَنْ يَتْبَعَهُمُ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ، أَوِ الْأَمِيرُ صَدَقَةُ، صَاحِبُ الْحِلَّةِ، فَكَانُوا كُلَّمَا جَازَوْا قَنْطَرَةً هَدَمُوهَا، لِيَمْتَنِعَ مَنْ يَجْتَازُ بِهَا مِنَ اتِّبَاعِهِمْ.
وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى وَاسِطَ عُوفِيَ بَرْكِيَارُقُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِمَّةٌ غَيْرَ الْعُبُورِ مِنَ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، فَلَمْ يَجِدْ هُنَاكَ سَفِينَةً، وَكَانَ الزَّمَانُ شَاتِيًا، شَدِيدَ الْبَرْدِ، وَالْمَاءُ زَائِدًا، وَكَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ قَدْ خَافُوهُمْ، فَلَزِمُوا الْجَامِعَ وَبُيُوتَهُمْ، فَخَلَتِ الطُّرُقُ وَالْأَسْوَاقُ مِنْ مُجْتَازٍ فِيهَا، فَخَرَجَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ إِلَى الْعَسْكَرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute