وَاجْتَمَعَ بِالْأَمِيرِ إِيَازَ، وَالْوَزِيرِ، وَاسْتَعْطَفَهُمَا لِلْخَلْقِ، وَطَلَبَ إِنْفَاذَ شِحْنَةً لِتَطْمَئِنَّ الْقُلُوبُ، فَأَجَابُوهُ إِلَى مُلْتَمَسِهِ، وَقَالُوا لَهُ: نُرِيدُ أَنْ تَجْمَعَ لَنَا مَنْ يُعَبِّرُ دَوَابَّنَا فِي الْمَاءِ، وَنَسْبَحُ مَعَهَا، فَجَمَعَ لَهُمْ مِنْ شَبَابِ وَاسِطَ، وَأَعْطَاهُمُ الْأُجْرَةَ الْوَافِرَةَ، فَعَبَّرُوا دَوَابَّهُمْ مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْجِمَالِ، وَكَانَ الْأَمِيرُ إِيَازُ بِنَفْسِهِ يَسُوقُ الدَّوَابَّ، وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْغِلْمَانُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُ سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ انْحَدَرَتْ مَعَ السُّلْطَانِ مِنْ بَغْدَاذَ، فَعَبَّرُوا أَمْوَالَهُمْ وَرِحَالَهُمْ فِيهَا. فَلَمَّا صَارُوا فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ اطْمَأَنُّوا، وَنَهَبَ الْعَسْكَرُ الْبَلَدَ، فَرَجَعَ الْقَاضِي وَجَدَّدَ الْخِطَابَ فِي الْكَفِّ عَنْهُمْ، فَأُجِيبُ إِلَى ذَلِكَ، فَأُرْسِلَ مَعَهُ مَنْ يَمْنَعُ مِنَ النَّهْبِ.
ثُمَّ إِنَّ عَسْكَرَ وَاسِطَ أَرْسَلُوا إِلَى السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ لِيَحْضُرُوا الْخِدْمَةَ فَأَمَّنَهُمْ، فَحَضَرَ أَكْثَرُهُمْ عِنْدَهُ، وَسَارُوا مَعَهُ إِلَى بِلَادِ بَنِي بُرْسُقَ، فَحَضَرُوا أَيْضًا عِنْدَهُ وَخَدَمُوهُ، وَاجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ عَلَيْهِ.
وَبَلَغَهُ مَسِيرُ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَغْدَاذَ، فَسَارَ يَتْبَعُهُ عَلَى نَهَاوَنْدَ، فَأَدْرَكَهُ بُرُوذْرَاوَرُ، وَكَانَ الْعَسْكَرَانِ مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْعُدَّةِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةُ آلَافِ فَارِسٍ مِنَ الْأَتْرَاكِ، فَتَصَافُّوا، أَوَّلَ يَوْمٍ جَمِيعَ النَّهَارِ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمْ قِتَالُ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ، وَعَادُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، ثُمَّ تَوَاقَفُوا كَذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ الصَّفَّيْنِ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مَنْ يُقَاتِلُهُ، فَإِذَا تَقَارَبَا اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحَبَهُ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَيَعُودُ عَنْهُ.
ثُمَّ خَرَجَ الْأَمِيرُ بَلَدْجِي وَغَيْرُهُ مِنْ عَسْكَرِ مُحَمَّدٍ إِلَى الْأَمِيرِ إِيَازَ وَالْوَزِيرِ الْأَعَزِّ، فَاجْتَمَعُوا، وَاتَّفَقُوا عَلَى الصُّلْحِ، لِمَا قَدْ عَمَّ النَّاسَ مِنَ الضَّرَرِ، وَالْمَلَلِ، وَالْوَهَنِ، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ أَنْ يَكُونَ بَرْكِيَارُقُ السُّلْطَانَ، وَمُحَمَّدٌ الْمَلِكَ، وَيُضْرَبُ لَهُ ثَلَاثُ نُوَبٍ، وَيَكُونُ لَهُ مِنِ الْبِلَادِ جَنْزَةُ وَأَعْمَالُهَا، وَأَذْرَبِيجَانُ، وَدِيَارُ بَكْرٍ، وَالْجَزِيرَةُ، وَالْمَوْصِلُ، وَأَنْ يُمِدَّهُ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ بِالْعَسَاكِرِ، حَتَّى يَفْتَحَ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَانْصَرَفَ الْفَرِيقَانِ مِنَ الْمَصَافِّ رَابِعَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَسَارَ بَرْكِيَارُقُ إِلَى مَرْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute