للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ سَبَبُ فِرَاقِهِ لِوِزَارَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ بِأَصْبَهَانَ، وبَرْكِيَارُقُ يُحَاصِرُهُ، وَقَدْ سَلَّمَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا لِيَحْفَظَهَا، فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ يَنَّالُ بْنُ أَنُوشْتِكِينَ: كُنْتَ قَدْ كَلَّفْتَنَا، وَنَحْنُ بِالرَّيِّ، لِنَقْصِدَ هَمَذَانَ، وَقُلْتَ: أَنَا أُقِيمُ بِالْعَسْكَرِ مِنْ مَالِي، وَأُحَصِّلُ لَهُمْ مَا يَقُومُ بِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ الْخَطِيرُ: أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ فَارَقَ الْبَلَدَ، وَخَرَجَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي كَانَ مُسَلَّمًا إِلَيْهِ وَقَصَدَ بَلَدَهُ مَيْبُذَ، وَأَقَامَ بِقَلْعَتِهَا مُتَحَصِّنًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ وَحَصَرَهُ، فَنَزَلَ مِنْهَا مُسْتَأْمِنًا، فَحُمِلَ عَلَى بَغْلٍ بِإِكَافٍ إِلَى الْعَسْكَرِ، فَوَصَلَهُ فِي طَرِيقِهِ قَتْلُ الْوَزِيرِ الْأَعَزِّ، وَكِتَابُ السُّلْطَانِ لَهُ بِالْأَمَانِ، وَطَيَّبَ قَلْبَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْعَسْكَرِ خَلَعَ عَلَيْهِ وَاسْتَوْزَرَهُ.

حَادِثَةٌ يُعْتَبَرُ بِهَا

فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] بِيعَ رَحْلُ بَنِي جَهِيرٍ وَدُورُهُمْ بِبَابِ الْعَامَّةِ، وَوَصَلَ ثَمَنُ ذَلِكَ إِلَى مُؤَيَّدِ الْمُلْكِ، ثُمَّ قُتِلَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ مُؤَيَّدُ الْمُلْكِ وَبِيعَ مَالُهُ وَبَرْكُهُ، وَأُخِذَ الْجَمِيعُ وَحُمِلَ إِلَى الْوَزِيرِ الْأَعَزِّ، وَقُتِلَ الْوَزِيرُ الْأَعَزُّ، هَذِهِ السَّنَةَ، وَبِيعَ رَحْلُهُ، وَاقْتُسِمَتْ أَمْوَالُهُ، وَأَخَذَ السُّلْطَانُ وَمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ أَكْثَرَهَا، وَتَفَرَّقَتْ أَيْدِي سَبَا، وَهَذَا عَاقِبَةُ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ.

ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بَيْنَ إِيلْغَازِي وَعَامَّةِ بَغْدَاذَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَجَبٍ، كَانَتْ فِتْنَةٌ شَدِيدَةٌ بَيْنَ عَسْكَرِ الْأَمِيرِ إِيلْغَازِي بْنِ أُرْتُقَ، شِحْنَةِ بَغْدَاذَ، وَبَيْنَ عَامَّتِهَا.

وَسَبَبُهَا أَنَّ إِيلْغَازِي كَانَ بِطَرِيقِ خُرَاسَانَ، فَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ، لَمَّا وَصَلَ أَتَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى دِجْلَةَ، فَنَادَوْا مَلَّاحًا لِيَعْبُرَ بِهِمْ، فَتَأَخَّرَ، فَرَمَاهُ أَحَدُهُمْ بِنُشَّابَةٍ، فَوَقَعَتْ فِي مَشْعَرِهِ فَمَاتَ، فَأَخَذَ الْعَامَّةُ الْقَاتِلَ، وَقَصَدُوا بَابَ النُّوبِيِّ، فَلَقِيَهُمْ وَلَدُ إِيلْغَازِي مَعَ جَمَاعَةٍ، فَاسْتَنْقَذُوهُ، وَرَجَمَهُمُ الْعَامَّةُ بِسُوقِ الثُّلَاثَاءِ، فَمَضَى إِلَى أَبِيهِ مُسْتَغِيثًا، فَأَخَذَ حَاجِبُ الْبَابِ مَنْ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ عَمَلٌ فَلَمْ يُقْنِعْ إِيلْغَازِي ذَلِكَ، فَعَبَرَ بِأَصْحَابِهِ إِلَى مَحَلَّةِ الْمَلَّاحِينَ، الْمَعْرُوفَةِ بِمُرَبَّعَةِ الْقَطَّانِينَ، وَيَتْبَعُهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَنَهَبُوا مَا وَجَدُوا وَقَدَرُوا عَلَيْهِ، فَعَطَفَ عَلَيْهِمُ الْعَيَّارُونَ فَقَتَلُوا أَكْثَرَهُمْ.

وَنَزَلَ مَنْ سَلِمَ فِي السُّفُنِ لِيَعْبُرُوا دِجْلَةَ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوهَا أَلْقَى الْمَلَّاحُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>