للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ قَتْلِ الْوَزِيرِ الْأَعَزِّ وَوِزَارَةِ الْخَطِيرِ أَبِي مَنْصُورٍ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثَانِيَ عَشَرَ صَفَرٍ، قُتِلَ الْوَزِيرُ الْأَعَزُّ أَبُو الْمَحَاسِنِ عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّهِسْتَانِيُّ، وَزِيرُ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ عَلَى أَصْبَهَانَ، وَكَانَ مَعَ بَرْكِيَارُقَ مُحَاصِرًا لَهَا، فَرَكِبَ هَذَا الْيَوْمَ مِنْ خَيْمَتِهِ إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ، فَجَاءَ شَابٌّ أَشْقَرُ، قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ غِلْمَانِ أَبِي سَعِيدٍ الْحَدَّادِ، وَكَانَ الْوَزِيرُ قَتَلَهُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، فَانْتَهَزَ الْفُرْصَةَ فِيهِ، وَقِيلَ: كَانَ بَاطِنِيًّا، فَجَرَحَهُ عِدَّةَ جِرَاحَاتٍ، (فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ، فَجُرِحَ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ جِرَاحَاتٍ) أَثْخَنَتْهُ، وَعَادَ إِلَى الْوَزِيرِ فَتَرَكَهُ بِآخِرِ رَمَقٍ.

وَكَانَ كَرِيمًا، وَاسِعَ الصَّدْرِ، حَسَنَ الْخُلُقِ، كَثِيرَ الْعِمَارَةِ، وَنَفَرَ النَّاسُ مِنْهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْوِزَارَةِ، وَقَدْ تَغَيَّرَتِ الْقَوَانِينُ، وَلَمْ يَبْقَ دَخْلٌ وَلَا مَالٌ، فَفَعَلَ لِلضَّرُورَةِ مَا خَافَهُ النَّاسُ بِسَبَبِهِ.

وَكَانَ حَسَنَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ التُّجَّارِ، فَاسْتَغْنَى بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ لِيُعَامِلَهُمْ، فَلَمَّا قُتِلَ ضَاعَ مِنْهُمْ مَالٌ كَثِيرٌ.

حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ التُّجَّارِ بَاعَهُ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ لَهُ: خُذْ بِهَا حِنْطَةً مِنَ الرَّاذَانِ خَمْسِينَ كَرًّا، كُلُّ كَرٍّ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، فَامْتَنَعَ التَّاجِرُ مِنْ أَخْذِهَا، وَقَالَ: لَا أُرِيدُ غَيْرَ الدَّنَانِيرِ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلَ إِلَيْهِ التَّاجِرُ، فَقَالَ لَهُ: يُهَنِّئُكَ، يَا فُلَانُ فَقَالَ وَمَا هُوَ؟ قَالَ: خَبَرُ حِنْطَتِكَ، فَقَالَ: مَا لِي حِنْطَةٌ، وَلَا أُرِيدُهَا، قَالَ: بَلَى، وَقَدْ بِيعَتْ كُلُّ كَرٍّ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، فَقَالَ: أَنَا لَمْ أَتَقَبَّلْ بِهَا فَقَالَ الْوَزِيرُ: مَا كُنْتُ أَفْسَخُ عَقْدًا عَقَدْتُهُ. قَالَ: فَخَرَجْتُ وَأَخَذْتُ ثَمَنَ الْحِنْطَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَضَفْتُ إِلَيْهَا مِثْلَهَا وَعَامَلْتُهُ، فَقُتِلَ فَضَاعَ الْجَمِيعُ.

وَكَانَ قَدْ نَفَقَ عَلَيْهِ عَمَلُ الْكِيمْيَاءُ، وَاخْتَصَّ بِهِ إِنْسَانٌ كِيمْيَائِيٌّ، فَكَانَ يَعِدُهُ الشَّهْرَ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَالْحَوْلَ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ أَحَالَهُ عَلَيْهِ بِكَرِّ حِنْطَةٍ، فَاسْتَزَادَهُ: لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي عَمَلِهِ، لَمَا كَانَ يَسْتَزِيدُ مِنَ الْقَدْرِ الْقَلِيلِ، وَقُتِلَ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَلَمَّا قُتِلَ الْأَعَزُّ أَبُو الْمَحَاسِنِ وَزَرَ بَعْدَهُ الْوَزِيرُ الْخَطِيرُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَيْبُذِيُّ الَّذِي كَانَ وَزِيرَ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>