مَخُوفَ الْجَانِبِ وَأَمِنَ الْبَصْرِيُّونَ بِهِ، وَأَسْقَطَ شَيْئًا مِنَ الْمُكُوسِ، وَاتَّسَعَتْ إِمَارَتُهُ بِاشْتِغَالِ السَّلَاطِينِ، وَمَلَكَ الْمَشَانَ، وَاسْتَضَافَهَا إِلَى مَا بِيَدِهِ.
فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةَ كَاتَبَهُ بَعْضُ عَسْكَرِ وَاسِطَ بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، فَقَوِيَ طَمَعُهُ فِي وَاسِطَ، فَأَصْعَدَ فِي السُّفُنِ إِلَى نَهْرَابَانَ، وَرَاسَلَهُمْ فِي التَّسْلِيمِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: رَاسَلْنَاكَ، وَقَدْ رَأَيْنَا غَيْرَ ذَلِكَ الرَّأْيِ. فَأَصْعَدَ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، فَخَيَّمَ تَحْتَ النَّخِيلِ، وَسُفُنُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَخَيَّمَ جُنْدُ وَاسِطَ حِذَاءَهُ، وَرَاسَلَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ، وَهُمْ لَا يُجِيبُونَهُ.
وَاتَّفَقَتِ الْعَامَّةُ مَعَ الْجُنْدِ، وَشَتَمُوهُ أَقْبَحَ شَتْمٍ، فَلَمَّا أَيِسَ مِنْهُمْ عَادَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَسَارُوا بِإِزَائِهِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَوَصَلَ إِلَى الْعَمَرِ، وَعَبَّرَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَوْقَ الْبَلَدِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْبَلَدَ خَالٍ، وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُ لِمَا رَأَى كَثْرَةَ مَنْ بِإِزَائِهِ، فَيُوقِعُ الْحَرِيقَ فِي الْبَلَدِ، فَإِذَا رَجَعَ الْأَتْرَاكُ عَادَ هُوَ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَكَانَ ظَنُّهُ خَائِبًا لِأَنَّ الْعَامَّةَ كَانُوا عَلَى دِجْلَةَ، وَأَوَّلُهُمْ فِي الْبَلَدِ، وَآخِرُهُمْ مَعَ الْأَتْرَاكِ بِإِزَائِهِ.
فَلَمَّا عَبَرَ أَصْحَابُهُ عَادَ الْأَتْرَاكُ عَلَيْهِمْ وَمَعَهُمُ الْعَامَّةُ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، وَأَسَرُوا خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَلْقَى الْبَاقُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ، فَأَتَاهُ مِنْ ذَلِكَ مُصِيبَةٌ لم يَظُنَّهَا، وَصَارَ أَعْيَانُ أَصْحَابِهِ مَأْسُورِينَ، وَعَادَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَ عَوْدُهُ مِنْ سَعَادَتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ قَصَدَ الْأَمِيرُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُضَرَ بْنِ مَحْمُودٍ (الْبَصْرَةَ ذَلِكَ الْوَقْتَ) ، وَلَهُ أَعْمَالٌ وَاسِعَةٌ، مِنْهَا: نِصْفُ عُمَانَ، وَجَنَّابَةُ، وَسِيرَافُ، وَجَزِيرَةُ بَنِي نَفِيسٍ.
وَكَانَ سَبَبُ قَصْدِهِ إِيَّاهَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ مَعَ إِسْمَاعِيلَ إِنْسَانٌ يُعْرَفُ بِجَعْفَرْكَ، وَآخِرٌ اسْمُهُ زَنْجَوَيْهِ، وَالثَّالِثُ بِأَبِي الْفَضْلِ الْأُبُلِّيِّ، فَأَطْمَعُوهُ فِي أَنْ يَعْمَلَ مَرَاكِبَ يُرْسِلُ فِيهَا مُقَاتِلَةً فِي الْبَحْرِ إِلَى أَبِي سَعْدٍ هَذَا وَغَيْرِهِ، فَعَمِلَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ قِطْعَةً، فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو سَعْدٍ الْحَالَ أَرْسَلَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي نَحْوِ خَمْسِينَ قِطْعَةً، فَأَتَوْا إِلَى دِجْلَةَ الْبَصْرَةِ وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْخَالِيَةِ، فَأَقَامُوا بِهَا مُحَارِبِينَ، وَظَفِرُوا بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ إِسْمَاعِيلَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute